ولكن ما ينتهي من سرور العاشق المستهام يشعره أنه مات، فله في نفسه حزن الموت وهمّ الثكل، وله في نفسه هم الثكل وحزن الموت!
وينظر صاحب القلب المسكين فإذا الأنوار قد انطفأت في الحديقة، وإذا القمر أيضًا كأنما كان فيه مسرح وأخذوا يطفئون أنواره.
كان وجه القمر في مثل حزن وجه العاشق المبتعد عن حبيبته إلى أطراف الدنيا، فكان أبيض أصفر مكمدًا، تتخايل فيه معاني الدموع التي يمسكها التجلد أن تتساقط.
كان في وجه القمر وفي وجه صاحبنا معًا مظهر تأثير القدر المفاجئ بالنكبة.
وبدت لنا الحياة تحت الظلمة مقفرة خاوية على أطلالها، فارغة كفراغ نصف الليل من كل ما كان مشرقًا في نصف النهار؛ يا لك من ساحر أيها الحب؛ إذ تجعل في ليل العاشق ونهاره ظلامًا وضوءًا ليسا في الأيام والليالي!
أما الحديقة فلبسها معنى الفراق، وما أسرع ما ظهرت كأنما يبست كلها لتوها وساعتها، وأنكرها النسيم فهرب منها فهي ساكنة، وتحولت روحها خشبية جافة، فلا نضرة فيها على النفس؛ وبدت أشجارها في الظلام، قائمة في سوادها كالنائحات يلطمن ويولولن، وتنكر فيها مشهد الطبيعة كما يقع دائمًا حين تنبت الصلة بين المكان ونفس الكائن.
ماذا حدث؟
لا شيء إلا ما حدث في النفس، فقد تغيرت طريقة الفهم، وكان للحديقة معنى من نفسه فسلب المعنى، وكان لها فيض من قلبه فانحبس عنها الفيض؛ وبهذا وهذا بدت في السلب والعدم والتنكر، فلم يبق إبداع في شيء مبدع، ولا جمال في منظر جميل.
أكذا يفعل الحب حين يضع في النفس العاشقة معنى ضئيلًا من معاني الفناء كهذا الفراق؟
أكذا يترك الروح إذا فقدت شيئًا محبوبًا، تتوهم كأنها ماتت بمقدار هذا الشيء؟