قالوا: وفكر الشاب المسكين في صواحبه من النساء، وعندهن شبابه وإسرافه، ونفقاته الواسعة، فقال في نفسه: أذهب لإحداهن؛ وأخذ سَمْتَه إليها، فما كادت تعرفه عيناها في أسماله وبذاذته وفقره حتى أمرت به فجُر بيديه ودُفع في قفاه. ولكن دم الإمارة نزا في وجهه غضبًا، وتحركت فيه الوراثة الحربية، فصاح وأجلب واجتمع الناس عليه واضطربوا، وماج بعضهم في بعض. فبينا هو في شأنه حانت منه التفاتة فأبصر غلامًا قد دخل في غمار الناس، فدس يده في جيب أحدهم فنشل كيسه ومضى.
قالوا: وجرى في وهم ابن الأمير أن يلحق بالغلام فيكبسه كبسة الشرطي وينتزع منه الكيس وينتفع بما فيه، فتسلل من الزحام وتبع الصبي حتى أدركه ثم كبسه وأخذ الكيس منه وأخرج الكنز، فإذا ليس فيه إلا خاتم وحجاب وبعض خرَزَات مما يتبرك العامة بحمله، ومفتاح صغير.
فامتلأ غيظًا وفار دم الإمارة وتحركت الوراثة الحربية التي فيه. وألم الصبي بما في نفسه، وحدس على أنه رجل أَفَّاق متبطل، ولا نفاذ له في صناعة يرتزق منها، فرثى لفقره وجهله ودعاه إلى أن يعلِّمه السرقة وأن يأخذه إلى مدرستها. وقال: إن لنا مدرسة، فإذا دخلت القسم الإعدادي منها تعلمت كيف تحمل المكتل١ فتذهب كأنك تجمع فيه الخِرَق البالية من الدور حتى إذا سنحت لك غفلة انسللتَ إلى دار منها، فسرقت ما تناله يدك من ثوب أو متاع، ولا تزال في هذا الباب من الصنعة حتى تحكمه، ومتى حذقته ومهرت فيه انتقلت إلى القسم الثانوي.
فصاح ابن الأمير: اغرب عني، عليك وعليك، أخزاك الله! ولعن الله الإعدادي والثانوي معًا.
ثم إنه رمى الكيس في وجه الغلام وانطلق، فبينا هو يمشي وقد توزعته الهموم، أنشأ يفكر فيما كان يراه من المكدِّين، وتلك العلل التي ينتحلونها للكُدْية كالذي يتعامى والذي يتعارج والذي يحدث في جسمه الآفة؛ ولكن دم الإمارة اشمأز في عروقه وتحركت فيه الوراثة الحربية! وبَصُر بشاب من أبناء الأغنياء تنطق عليه النعمة فتعرض لمعروفه، وأفضى إليه بهمه، وشكا ما نزل به ثم قال: وإني قد أَمَّلتك وظني بك أن تصطفيني لمنادمتك أو تلحقني بخدمتك، وما أريد إلا الكَفَاف