للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يرى أني أنا أمنعه لذاته، وأرى أنه هو يمنعني، وأنه أشفى بي على ما أشفى؛ وقلت له فيما قلت: لا قرار على جنايتك، فاذهب عني ولا تتسم باسمي فإنه لا فلان لك* بعد اليوم؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن لمسة يد الرجل ليد المرأة الجميلة نوع مخفف من التقبيل، فإذا هي تركته يرتفع في الدم انتهى يومًا إلى تقبيل فمه لفمها؛ ولولا أنك مخذول في الحب لعلمت أن هذا الضم بين اليدين نوع مخفف من العناق، فإذا هي تركته يشتد في الدم انتهى يومًا إلى ضم الصدر للصدر؛ ولكنك مخذول في الحب، ولكنك مخذول!.

وقال لي فيما قال: وأنت أيها الخائب؟ أما علمت أن أناملها الرخصة هي أناملها، لا أعوادك من الحديد؟ فكيف شددت عليها ويحك تلك الشدة التي أخرجت لك وجه المصارع؟ ولكنك خائب في الحب، ولكنك خائب!

قلت: فهذه قضية بيني وبينك أيها القلب العدو؛ لقد تركتني من الهموم كالشجرة المنخربة قد بليت وصارت فيها التخاريب؛ فلا حياتها بالحياة ولا موتها بالموت، وكم علقتني بفاتنة بعد فاتنة لا عنها إقصار ينتهي ولا فيها مطمع يبتدئ؛ ما أنت فيّ إلا وحش أكبر لذته لطع الدم!

واستدار الحلم فلم ألبث أن رأيتني في محكمة الجنايات، وكأني شكوت قلبي إليها فهو جالس في القفص الحديدي بين المجرمين ينتظر ما ينتظرون من الفصل في أمرهم؛ وقد ارتفع المستشارون الثلاثة إلى منصة الحكم، وجلس النائب العام في مجلسه يتولى إقامة الدعوى وبين يديه أوراقه ينظر فيها، ورأيت منها غلافًا كتب على ظاهره: قضية القلب المسكين.

وتكلم رئيس المحكمة أول من تكلم فقال: ليس في قضية القلب محامٍ، فابغوه من يدافع عنه؛ ثم التفت إليه وقال: من عسى تختار للدفاع عنك؟

قال القلب: أوَهنا موضع للاختيار يا حضرة الرئيس؟ إنه ليس تحت هذه -وأومأ إلى السماء- ولا فوق هذه -وأومأ إلى الأرض- إلا ...

فبدر النائب العام وقال: إلا الحبيبة؟ أكذلك؟ غير أنها أستاذة في الرقص لا في القانون!


* ذكر اسمه، كما تقول مثلًا: لا محمد لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>