قال صاحب القلب المسكين: وكنت بلا قلب.. فلم ألتفت للجمال، بل راعني ذكاء المحامية ونفاذها وحسن اهتدائها إلى الحجة في أول ضرباتها، وتعجبت من ذلك أشد التعجب، وأيقنت أن النائب العام سيقع في لسانها، لا كما يقع مثله في لسان المحامي القدير، ولكن كما يقع زوج في لسان زوجة معشوقة متدللة تجادله بحجج كثيرة بعضها الكلام.. وقلت في نفسي: يا رحمة الله لا تجعلي من النساء الجميلات الفاتنات محاميات في هذه المحاكم، فلو ألبسوهن لحى مستعارة لكان الصوت الرخيم وحده من تلك الأفواه الجميلة العذبة، نداء قانونيًّا للقبلات..
ونهضت المحامية العجيبة فسلطت عينيها الساحرتين على النائب، ثم قالت تخاطب المحكمة: قبل النظر في هذه القضية قضية الحب والجمال، قضية قلبي المسكين.. أريد أن أتعرف الرأي القانوني في اعتبار الجريمة. أهي شخصية، فتقصر على صاحبها؛ أو خاصة، فتضر غير جانبها، أو عامة، فيتناولها العموم المحدود لمن تجمعهم جامعة الحب؛ أو هي أعم، فيتناولها العموم المطلق للهيئة الاجتماعية؛ ما هي جريمة قلبي؟
-الرئيس: ما رأي النيابة؟
النائب "ضاحكًا": "غزالتها رايقة" كما يقول الراقصات والممثلات.. أرى أنها جريمة آتية من ضرب الخاص في العام.. "ضحك".
المحامية: جواب كجواب القائل: حب أبي بكر؛ كان ذلك الرجل يحب زوجته الجميلة ويخافها، وكانت تقسو عليه قسوة عظيمة وتغلظ له الكلام، وهو يفرق منها ولا يخالفها؛ فرآها يومًا وقد طابت نفسها، فأراد أن ينتهز الفرصة ويشكو قسوتها؛ فقال: يا فلانة قد -والله- أحرق قلبي.. ولم تدعه يتم الكلمة، فحددت نظرها إليه وقطبت وجهها وقالت: أحرق قلبك ماذا؟ فخاف ولم يقدر أن يقول لها سوء أخلاقك. فقال؛ حب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. "ضحك"، ورنت ضحكة المحامية فاضطربت لها القلوب، ووقعت في كل دم، وفي دم النائب أيضًا؛ فانخزل ولم يزد على أن يقول: أحتج من كل قلبي..
الرئيس: لندخل في الموضوع ولتكن المرافعة مطلقة؛ فإن الحدود في جرائم القلب تسدل وترفع كهذه الستائر في مسرح التمثيل. وعشرون ستارة قد تكون كلها لرواية واحدة.