مقبل إلى الجامعة إقبال المغير في غارته، فأومأت له، فعدل إليها وحياها بتحية الشياطين، ثم قال لها: ما وقوفك هنا أيتها الخبيثة؟ وكيف تركت صاحبتك التي أنت موكلة بها؟ وما عسى أن يعمل الشيطان بين الجنسين إذا لم تؤازره الشيطانة؟
قالت: إنما اجتذبتني إلى هنا رائحة عاشقين كانا في هذا الظل يواريهما عن الأعين، وما أراك إلا مزكومًا، أفكنت في الأزهر..؟
فجعل الشيطان يتضاحك وقال: أنا مرسل من مستشفى المجانين مددًا لشياطين الجامعة؛ فقد احتاجوا إلى النجدة.. ولكن أنت كيف تركت صاحبتك من أجل رائحة قبلة على خمسمائة متر؟ ما أحسبها الآن إلا جالسة تكتب في منع اختلاط الجنسين ووجوب إدخال التعليم الديني في الجامعة!
قالت الشيطانة: إن صاحبتي لأبرع مني في البراعة، وأدق في الحيلة وأهدى للمعاذير، وأنفذ إلى الغرض، ومثلها قليل هنا، ولكن قليل الشر ليس قليلًا، فإنه وصلة وطريق كما تعلم؛ وما تجد الفتاة خيرًا من هذا المكان ينفي عنها الريبة وهو يدنيها منها بهذا الاختلاط مع الفتيان، ويهيئ لعقلها أسبابًا تكون فيها أسباب قلبها؛ وقد كنت في أوربا، أفما رأيت هناك شابًّا وشابة حول كتاب علم وكأنهما على زجاجة خمر؟
إن هذا العلم شيء ومخالطة الشبان شيء آخر؛ فذلك يطلق فكرها يتجاوز الحدود والاختلاط يجعل فكرها، يحصرها في حدود إحساسها؛ وأحدهما يرهف ذهنها لإدراك الأشياء، والآخر يرهف عواطفها لإدراك الرجل؛ وقد فرغ الله من خلقة الأنثى فما تخلق هنا مرة أخرى على غير الطبيعة المفطورة على الحب في صورة من صورة الممكنة، والصورة هي الشاب هنا؛ وأنا الشيطانة قد تعلمت في الجامعة أن قاعدة:"لا حياة في العلم"، هي التي تقرر في بعض الأحيان قاعدة:"لا حياة في الحب".
قال الشيطان: أنت أدري بسلطان الطبيعة في المرأة، ولكن الذي أعرفه أنا أن مفاسد أوربا تدخل إلى الشرق في أشياء كثيرة، منها الخمر والنساء والعادات والقوانين والكتب ونظام المدارس!
قالت الشيطانة: وإن سلطان الطبيعة في المرأة يبحث دائمًا عن رعيته ما لم يكبح ويرد عن البحث؛ إذ هو لا يتحقق أنه سلطان إلا بنفاذ حكمه وجواز أمره؛ ومن رعيته نظرات الإعجاب، وكلمات الثناء، وعبارات الإغراء، وعواطف الميل، ومعاني الخضوع؛ ورب كلمة من الرجل للمرأة لا يكون فيها شيء ويكون الرجل