للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيطان خبريني عن صاحبتك التي أنت موكلة بها، أتريها كانت تأتي إلى هذه الجامعة لو ألبسوهن مثل ثوب الراهبة وخمروهن بالخمار وأضاعوا مساحة الجسم في مساحة الثوب وأجلسوهن في آخر الصفوف كأنهم في المسجد؟ لقد فعلوا مثل هذا في بعض جامعات أوربا، فحرموا صبغ الشفاه على الفتيات، ومنعوهن إبداء الزينة؛ فامتنعت الزينة والمتزينة معًا، وهجرن الجامعة، وقلن فيما قلن: إن المرآة والأحمر والأبيض ونحوها هي الحقائق في علم المرأة، وهي من أساليب بحث كل فتاة عن رجلها المخبوء بين الرجال في الجامعة أو غير الجامعة، والعلم وسيلة عيش، والرجل وسيلة مثلها، غير أنه هو أجدى الوسيلتين على المرأة وأحقهما بالعناية؛ إذ هي لا تتزوج الكيمياء ولا الطبيعة ولا القانون، ومعنى هذا بغير اللغة التي هنا في الجامعة المصرية أن وجود الفتاة مع الشبان للتعليم، هو كذلك وجودها بينهم للاستمالة والمكر النسوي الجذاب.

اسمعي اسمعي؛ ما هذا الصوت المنكر الجافي الخشن؟

فتسمعت، فإذا الطالب الأزهري يقول لصاحبه وهو يحاوره: قالوا: ويحرم على المرأة أن ترى شيئًا من الرجل ولو بلا ميل ولا خوف الفتنة، وإذا هي اضطرت إلى مداواة أو أداء شهادة أو تعليم أو بيع أو نحو ذلك -جاز نظرها بقدر الضرورة.

فقالت الشيطانة: هذا كلام رحمه الله.. لقد كان ذلك سائغًا لو أن الشبان يتعلمون في الجامعة ليحملوا معهم الحق كما يحملون معهم العلم؛ وكيف لهم بهذا ومعاني الدين قد أصبحت منهم كأسماء البلاد البعيدة في كتاب الجغرافيا: لا هم رأوها ولا هم حققوها؟ إنهم يريدون تعليم الدين هنا. فيقول لهم رؤساؤهم: ألم تعرفوا الصلاة وأنها الصلاة، والصيام وأنه الصيام، والزكاة وأنها الزكاة، والحج وأنه الحج؟ وهذا كلام يشبه درس مواقع البلاد على الخريطة، فباريس كلمة، ولندن كلمة، لا غير؛ أما الحقيقة العظيمة الهائلة فشيء غير هذا الكلام الجغرافي التعليمي؛ إذ ما هي كل فروض الدين إلا أعمال دقيقة ثابتة يجب فرضها على الجميع لتحقيق النفسية الواحدة في الجميع، وهي سر القوة والعظمة والنجاح؛ فتعليم الدين في الجامعة هو إقناع النفس بجعل فروضه من قوانينها الثابتة، لا بأداء هذه الفروض فقط، أي باعتباره علم فلسفة الروح العملية للأمة، ثم يجعل المدرسين أول العاملين به؛ ليتحقق معنى الإقناع، فلا ينقلب الدرس هزءًا وسخرية؛ وبذلك يخرج الشاب من

<<  <  ج: ص:  >  >>