للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاني الشديدة القوية السامية، فهم يريدون الصحافة الرخيصة، واللغة الرخيصة، والقراءة الرخيصة؛ وبهذا أصبح الجاحظ وأمثاله هم "صعاليك الصحافة".

ودق الجرس يدعو أبا عثمان إلى رئيس التحرير، فنهض إليه، ثم رجع بعينين لا يقال فيهما جاحظتان، بل خارجتان ... وقال: أف. {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٦] .

"كلا والذي حرم التزيد على العلماء، وقبح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضل سعيه"*.

قلت: ماذا دهاك يا أبا عثمان؟

قال: ويحها صحافة! قل في عمك ما قال المثل: جحظ إليه عمله**.

قلت: ولكن ما القصة؟

قال: ويحها صحافة! وقال الأحنف: أربع من كن فيه كان كاملًا، ومن تعلق بخصلة منهن كان من صالحي قومه: دين يرشده، أو عقل يسدده، أو حسب يصونه، أو حياة يقناه". وقال: "المؤمن بين أربع: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يجاهده، وشيطان يفتنه، وأربع ليس أقل منهن: اليقين، والعدل، ودرهم حلال، وأخ في الله". وقال الحسن بن علي: *** ...

قلت: يا شيخنا، دعنا الآن من الرواية والحفظ والحسن والأحنف؛ فماذا دهاك عند رئيس التحرير؟

قال: لم أحسن المهاترة في المقال الذي كتبته اليوم ... ويقول رئيس التحرير: إن كان نصف التمويه رذيلة؟ فإن نصفه الآخر يدل على أنه تمويه. ويقول: إن سمو الكتابة انحطاط فصيح؛ لأن القراء في هذا العهد لا يخرجون من حفظ القرآن والحديث ودراسة كتب العلماء والفصحاء، بل من الروايات والمجلات الهزلية. وحفظ القرآن والحديث وكلام العلماء يضع في النفس قانون النفس، ويجعل معانيها مهيأة بالطبيعة للاستجابة لتلك المعاني الكبيرة في الدين والفضيلة والجد والقوة؛ ولكن ماذا تصنع الروايات والمجلات وصور


١ هذه الجملة من كلام الجاحظ.
٢ يريدون أنه إذا نظر في عمله رأى سوء ما صنع.
٣ هذه طريقة الجاحظ، يخلط الكلام دائمًا بالنقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>