النظر وما يشحذ عليه وما يدعو إليه، ولتعطلت الأرواح من معانيها والعقول من ثمارها، ولعدمت الأشياء حظوظها وحقوقها١، هناك رجل من هؤلاء المعنيين بالسياسة في هذا البلد ... يريد أن يخلق في الحوادث غير معانيها، ويربط بعضها إلى بعض بأسباب غير أسبابها، ويخرج منها نتائج غير نتائجها، ويلفق لها من المنطق رقعًا كهذه الرقع في الثوب المفتوق؛ ثم لا يرضى إلا أن تكون بذلك ردًّا على جماعة خصومه وهي رد عليه وعلى جماعته، ولا يرضى مع الرد إلا أن يكون كالأعاصير تدفع مثل تيار البحر في المستنقع الراكد.
ثم لم يجد لها رئيس التحرير غير عملك أبي عثمان في لطافة حسه وقوة طبعه وحسن بيانه واقتداره على المعنى وضده، كأن أبا عثمان ليس عنده ممن يحاسبون أنفسهم، ولا من المميزين في الرأي، ولا من المستدلين بالدليل، ولا من الناظرين بالحجة؛ وكأن أبا عثمان هذا رجل حروفي..
كحروف المطبعة: ترفع من طبقة وتوضع في طبقة وتكون على ما شئت، وأدنى حالاتها أن تمد إليها اليد فإذا هي في يدك.
وأنا امرؤ سيد في نفسي، وأنا رجل صدق، ولست كهؤلاء الذين لا يتألمون ولا يتذممون؛ فإن خضت في مثل هذا انتقض طبعي وضعفت استطاعتي وتبين النقص فيما أكتب، ونزلت في الجهتين؛ فلا يطرد لي القول على ما أرجو، ولا يستوي على ما أحب؛ فذهبت أناقضه وأرد عليه؛ فبهت ينظر إلي ويقلب عينيه في وجهي، كأن الكاتب عنده خادم رأيه كخادم مطبخه وطعامه، هذا من هذا.
ثم قال لي: يا أبا عثمان، إني لأستحي أن أعنفك؛ وبهذا القول لم يستح أن يعنف أبا عثمان.. ولهممت والله أن أنشده قول عباس بن مرداس:
أكليب مالك كل يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه معلون
لولا أن ذكرت قول الآخر:
وما بين من لم يعط سمعا وطاعة ... وبين تميم غير حز الغلاصم
وحز الغلاصم "وقطع الدراهم" من قافية واحدة.. وقال سعيد بن أبي عروبة:"لأن يكون لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر- أحب إلى من أن أكون ذا وجهين وذا لسانين وذا قولين مختلفين". وقال أيوب السختياني: