فهو لصبري باشا، والمرافدة سنة معروفة من قديم، وهي غير الانتحال وغير السرقة وما يسمى إغارة وغصبًا؛ وقد استرفد النابغة زهيرًا ابنه كعبًا فرفده، والحكاية في ذلك مشهورة عنه وعن سواه.
ولم يكن في مصر ممن يحسن ذوق البيان وتمييز أقدار الألفاظ بعضها من بعض وألوان دلالاتها كالبارودي وصبري وإبراهيم المويلحي والشيخ محمد عبده، رحمهم الله جميعا؛ والبارودي يذوق بالسليقة، وصبري بالعاطفة، والمويلحي بالظرف، والشيخ بالبصيرة النفاذة؛ وذلك شيء ركبه الله في طبيعة صبري لم يحصله بالدرس أكثر مما حصله بالحس، ومن أجله كان يفضل البحتري على غيره، وهو بلا نزاع بحتري مصر، كما لقبوا ابن زيدون بحتري المغرب؛ وإنك لتجد بعض الألفاظ في شعر الرجل كأنها شعر مع الشعر، فتقف على العبارة منها وقلبك يتنفس عليها كأنها إنما وضعت لقلبك خاصة، فهي تغمز عليه غمزًا وكأنها نفثة ملك من الملائكة جاءتك في نفس من أنفاس الجنة.
ويمتاز نسيبه بأنه يكاد يكون في طهارته وعفته ضوءًا من جمال الشمس والقمر، وهو عندي أنسب من العباس بن الأحنف الذي صرف كل شعره إلى هذا المعنى؛ ولو أن عصره كان عصر أدب صحيح لأخمل كل شعراء هذا الباب، من ابن أبي ربيعة إلى طبقة عشاق العرب إلى أئمة الطريقة الغرامية لآخر القرن السابع.
ومن غزله البديع قوله:
يا من أقام فؤادي إذ تملكه ... ما بين نارين من شوق ومن شجن
تفديك أعين قوم حولك ازدحمت ... عطشى إلى نهلة من وجهك الحسن
جردت كل مليح من ملاحته ... لم تتق الله في ظبي ولا غصن
وقوله:
أقصر فؤادي فما الذكرى بنافعة ... ولا بشافعة في رد ما كانا