للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرأيه في الشعر كبير معنى!. قال: ويحك!. إن هذا مبلغ الاستحسان عنده.

قلت: وماذا يقول لك أنت حين تنشده؟ قال: أعلى من ذلك قليلًا.. فأرضاني والله أن يكون بيني وبين حافظ "قليل" وطمعت من يومئذ.

وأنا أرى أن "حافظ إبراهيم" إن هو إلا ديوان الشيخ "محمد عبده": لولا أن هذا هذا، لما كان ذلك ذلك.

ومن أثر الشيخ في حافظ أنه كان دائمًا في حاجة إلى من يسمعه، فكان إذا عمل أبياتًا ركب إلى إسماعيل باشا صبري في القصر العيني، وطاف على القهوات والأندية يسمع الناس بالقوة ... إذ كانت أذن الإمام هي التي ربت الملكة فيه؛ وقد بينا هذا في مقالنا في "المقتطف".

وكان تمام الشعر الحافظي أن ينشده حافظ نفسه؛ وما سمعت في الإنشاد أعرب عربية من البارودي، ولا أعذب عذوبة من الكاظمي، ولا أفخم فخامة من حافظ -رحمهم الله جميعًا.

وكان أديبنا يجل البارودي إجلالًا عظيمًا، ولما قال في مدحه:

فمر كل معنى فارسي بطاعتي ... وكل نفور منه أن يتوددا

قلت له: ما معنى هذا؟ وكيف يأمر البارودي كل معنى فارسي وما هو بفارسي؟ قال: إنه يعرف الفارسية، وقد نظم فيها، وعنده مجموعة جمع فيها كل المعاني الفارسية البديعة التي وقف عليها؛ قلت: فكان الوجه أن تقول له: أعرني المجموعة التي عندك ...

أما الكاظمي فكان حافظ يجافيه ويباعده، حتى قال لي مرة وقد ذكرته به: "عققناه يا مصطفى! ".

وما أنسى لا أنسى فرح حافظ حين أعلمته أن الكاظمي يحفظ قصيدة من قصائده، وذلك أنهم في سنة ١٩٠١ -على ما أذكر- أعلنوا عن جوائز يمنحونها من يجيد في مدح الخديو، وجعلوا الحكم في ذلك إلى البارودي وصبري والكاظمي، ثم تخلى البارودي وصبري، وحكم الكاظمي وحده، فنال حافظ الميدالية الذهبية، ونال مثلها السيد توفيق البكري.

ولما زرت الكاظمي وكنت يومئذ مبتدئًا في الشعر، ولا أزال في الغرزمة*


* الغرزمة: أول قول الشعر، حين يكثر الرديء فيه، يقال: فلان يغرزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>