للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لماذا لم تدخل في هذه المباراة؟ قلت: وأين أنا من شوقي وحافظ وفلان وفلان فقال: "ليه تخلي همتك ضعيفة؟ " ثم أسمعني قصيدة حافظ وكان معجبًا بها، فنقلت ذلك إلى حافظ، فكاد يطير عن كرسيه في القهوة.

وكان تعنت حافظ على الكاظمي؛ لأنه غير مصري، ففي سنة ١٩٠٣ كانت تصدر في القاهرة مجلة اسمها "الثريا"، فظهر في أحد أعدادها١ مقال عن الشعراء بهذا التوقيع، وانفجر هذا المقال انفجار البركان، وقام به الشعراء وقعدوا، وكان له في الغارة عليهم كزفيف الجيش وقعقعة السلاح، وتناولته الصحف اليومية، واستمرت رجفته الأدبية نحو الشهر؛ وانتهى إلى الخديو؛ وتكلم عند الأستاذ الإمام في مجلسه، واجتمع له جماعة من كبار أساتذة العصر السوريين، كالعلامة سليمان البستاني، وأديب عصره الشيخ إبراهيم اليازجي، والمؤرخ الكبير جورجي زيدان -إذ كان صاحب المجلة سوريا- وجعلوا ينفذون إلى صاحب المجلة دسيسًا بعد دسيس ليعلموا من هو كاتب المقال.

وشاع يومئذ أني أنا الكاتب له؛ وكان الكاظمي على رأس الشعراء فيه، فغضب حافظ لذلك غضبًا شديدًا، وما كاد يراني في القاهرة حتى ابتدرني بقوله: ورب الكعبة أنت كاتب المقال، وذمة الإسلام أنت صاحبه!

ثم دخلنا إلى "قهوة الشيشة"، فقال في كلامه: إن الذي يغيظني أن يأتي كاتب المقال بشاعر من غير مصر فيضعه على رءوسنا نحن المصريين!. فقلت: ولعل هذا قد غاظك بقدر ما سرك ألَّا يكون الذي على رأسك هو شوقي ...

وغضب السيد توفيق البكري غضبًا من نوع آخر، فاستعان بالمرحوم السيد مصطفى المنفلوطي استعانة ذهبية ... وشمر المنفلوطي فكتب مقالًا في "مجلة سركيس" يعارض به مقال "الثريا"، وجعل فيه البكري على رأس الشعراء ... ومدحه مدحًا يرن رنينًا.

أما أنا فتناولني بما استطاع من الذم، وجردني من الألفاظ والمعاني جميعًا، وعدني في الشعراء ليقول إني لست بشاعر ... فكان هذا رد نفسه على نفسه*.


١ عدد يناير سنة ١٩٠٥، وانظر ص٣٨-٤٣ "حياة الرافعي".
٢ نشر المرحوم المنفلوطي مقاله في الطبعة الأولى من كتابه "النظرات" بعد أن هذبه، ثم حذفه من الطبعات الأخرى؛ لأنه هو كان يعلم أن النائحة المستأجرة لا يسمى بكاؤها بكاء ...

<<  <  ج: ص:  >  >>