الرومي في هذا المعنى لص لا أكثر ولا أقل، فلم يحس شيئًا ولا ابتدع ولا اخترع.
قال الجاحظ: يقال في الخصب "أي الربيع": نفشت العنز لأختها؛ وخلفت أرضًا تظالم معزاها "أي تتظالم"؛ قال: لأنها تنفش شعرها وتنصب روقيها في أحد شقيها فتنطح أختها، وإنما ذاك من الأثر، "أي حين سمنت وأخصبت وأعجبتها نفسها".
فأنت ترى أن ابن الرومي لم يصنع شيئًا إلا أنه سرق المعنى واللفظ جميعًا، ثم جاء للقافية بهذه الزيادة السخيفة التي قاس فيها الحمام على الظباء والمعزى.. فاستكره الحمام على أن يختصم في زمن بعينه وهو يختصم في كل يوم؛ وإنما شرط الزيادة في السرقة الشعرية أن تضاف إلى المعنى فتجعله كالمنفرد بنفسه أو كالمخترع.
ولعمري لو كان للطبيعة مائة صورة في الخيال الشعري، ثم قدم شوقي للناس تسعًا وتسعين منها، لقال ذلك الناقد المتعنت: لا، إلا الصورة التي لم يقدمها..
وكان شعر شوقي في جزالته وسلاسته كأنما يحمل العصا لبعض الشعراء يردهم بها عن السفسفة والتخليط والاضطراب في اللفظ والتركيب؛ فكثر الاختلال في الناشئين من بعده، وجاءوا بالكلام المخلط الذي تبعث عليه رخاوة الطبع وضعف السليقة، فتراه مكشوفًا سهلًا ولكن سهولته أقبح في الذوق من جفوة الإعراب على كلامهم الوحشي المتروك.
والآفة أن أصحاب هذا المذهب يفرضون مذهبهم فرضًا على الشعر العربي، كأنهم يقولون للناس: دعوا اللغة وخذونا نحن! وليس في أذهانهم إلا ما اختلط عليهم من تقليد الأدب الأوروبي، فكل منهم عابد الحياة، مندمج في وحدة الكون، يأخذ الطبيعة من يد الله ويجاري اللانهاية، ويفنى في اللذة، ويعانق الفضاء، ويغني على قيثارته للنجوم؛ وبالاختصار: فكل منهم مجنون لغوي..
وأنا فلست أرى أكثر هذا الشعر إلا كالجيف، غير أنهم يقولون: إن الجيفة لا تعد كذلك في الوجود الأعظم، بل هي فيه عمل تحليلي علمي دقيق؛ لقد صدقوا؛ ولكن هل يكذب من يقول: إن الجيفة هي فساد ونتن وقذر في اعتبار