به شوقي في قصيدتين ولم يتابعه أحد؛ لإفراط ذلك الوزن في الخفة حتى رجع إلى الثقل.. ثم نظم بعض الشعر من أوزان مختلفة قريبة التناسق على قاعدة الموشح، ولكنه شعر لا توشيح، كما ينظم بعض شعراء أمريكا وسوريا؛ ولم يحدث مثل ذلك في العربية، فإن القصيدة كانت تنظم من بحر واحد، وقد يخرج منه وزن آخر: ولا نعرف في تاريخ الأدب قصيدة تتألف من وزنين إلا الذي قالوا إن حسين بن عبد الصمد المتوفى سنة ٩٨٤هـ "١٥٧٦م" قد اخترعه ونظم فيه أبياته التي مطلعها:
فاح عرف الصبا وصاح الديك ... وانثنى البان يشتكي التحريك
قم بنا نجتلي مشعشعة ... تاه من وصفه بها النسيك
وعارضها ولده الإمام الشهير بهاء الدين العاملي صاحب الكشكول بأبيات قالوا: إنها سارت في عصره مسير المثل، ونسج عليها شعراء ذلك العصر، كالنابلسي وغيره، ومطلعها:
يا نديمي بمهجتي أفديك ... قم وهات الكؤوس من هاتيك
خمرة إن ضللت ساحتها ... فسنا نور كأسها يهديك
على أن هذا الوزن بشطريه مستخرج من الخفيف، فليس باختراع كما زعموا، وإنما هو ابتداع في التأليف الشعري؛ وقد اجتزأنا بما مرت الإشارة إليه، فإنه كل ما تغير به الرسم في هذه الصناعة؛ وتركنا الأمثلة تفاديًا من الإطالة.
وبعد فلا ريب أن النفس البشرية في حاجة أبدًا مع دينها الروحي إلى دين إنساني يقوم على الشعور والرغبة والتأثير، فيفسر لها حقائق الحياة، ويكون وسيلة من وسائل تغييرها؛ ليجعلها ألطف مما هي في اللطف؛ وأرق مما تكون في الرقة، وأبدع مما تتفق في الإبداع؛ ذلك الذي يصل بظهوره وإبهامه بين الواضح والغامض، والخالد والفاني؛ ذلك الذي لا يجمل الجمال إلا به، ولا تسكن النفس إلا إليه؛ ذلك هو الشعر!