ولو بذل الشاعر أبو الوفا مجهوده في ذلك، واتهم الدنيا ثم حاكمها، ونص لها القانون، وأجلس القاضي، وافتتح المجلس، ورفعها قضية قضية، ثم أخذها حكمًا حكمًا، تارة في نادرة بعد نادرة، ومرة في حكمة إلى حكمة، وآونة في سخرية مع سخرية -إذن لاهتدى هذا المتألم الرقيق إلى الجانب الآخر من سر الموهبة التي في نفسه، فأخرج مكنون هذه الناحية القوية منها، فكان ولا ريب شاعر وقته في هذا الباب، وإمام عصره في هذه الطريقة.
على أن في صفحات ديوانه أشياء قليلة تومئ إلى هذه الملكة، ولكنها مبثوثة في تضاعيف شعره، والوجه أن يكون وجهه في تضاعيفها، وإنه ليأتي بأسمى الكلام وأبدعه، حين يعمد إلى ذلك الأصل الذي نبهنا إليه، فيصرف لهفة نفسه إلى بعض وجوهها الشعرية، كقوله في "حلم العذارى" وهي من بدائعه ومحاسن شعره: