ولكن في هذا الإنسان طفولة وشبابًا، وهما حالتان لا بد منهما، وهما من الضعف والنزق بطبيعتهما، وفيهما يتثاقل الإنسان إلى أغراضه، ويرتد عن صعابها، وينخذل دون غاياتها؛ وليس يأتي للطفل أن يدرك الرجل في معانيه، ولا للشاب أن يبلغ الحكيم في كماله؛ فكأن هذين ليس لهما أمل في أسباب النجاح، وكأن كليهما لا يحسن أن يطوي فؤاده على شيء ولا أن يجمع رأيه على أمر، غير أن من حكمة الله ورحمته أنه أرصد من نواميسه القوية لضعف الطفولة ونزق الشباب ما هو سناد يمنع، وموئل يعصم، وقوة تصلح، وهو ناموس القدوة الذي يتمثل في الأب والأم والصاحب والعشير والمعلم والكتاب؛ لأن الله جلت قدرته يبث في الخلق ما يوجههم دائمًا إلى الاعتقاد ويحملهم عليه ويبصرهم به، حتى كأن الحياة كلها إنما هي ممارسة لفضيلة الإيمان به من حيث يدري الإنسان أو لا يدري.
و"كتاب سر النجاح" الذي ترجمه أستاذنا العلامة الدكتور يعقوب صروف في سنة ١٨٨٠، وظهرت طبعته الرابعة في هذه الأيام، هو والله في باب القدوة ناموس على حدة، وما رأيت كتابًا تلاءم نسجه واستوت أجزاؤه ووضع آخر على أوله وانصب كله إلى الغرض الذي كتب فيه وجاء مقطعًا واحدًا في معناه وفائدته -كهذا الكتاب الذي يعلم الضعيف كيف يقوى، والعاجز كيف يعتمد، والمضطرب كيف يقبل، والساقط كيف ينتهض، ويعلمك مع ذلك كيف تريح الكد بالكد، وكيف تسقط التعب بالتعب، وكيف تمضي عزيمتك وتعتقدها وتضرب كرة الأرض بقدميك وإن لم تكن ملكًا ولا قائدًا ولا فاتحًا، وإن كنت من صميم السوقة، وإن كنت من فقرك وراء عتبة واحدة؛ لا أقول: إن هذا الكتاب علم، فإن هذا القول يسقط به دون منزلته ولا يعدو في وصفه أن يجعله مجموعًا من الورق الصقيل على طبع جيد، مع أنه مجموع من الأرواح والعزائم وأعصاب القلوب؛ ولكني أقول في وصفه العلمي إن المدارس تخرج من الكتب تلاميذ.. وهذا الكتاب يخرج من التلاميذ رجالًا أقوياء أشداء معصومين عصيب جذوع الشجر العاتي، من قوة النفس وصلابتها وصحة العزيمة ومضائها، وتصميم الرأي ونفاذه؛ ومما يعطي من قوة الصبر والثبات ومطاولة التعب إلى أبعد حدود الطاقة الإنسانية.
وما تقرؤه حق قراءته وتستوفيه على وجهه من التدبير والإمعان إلا خرجت منه وقد وضع في نفسك شيئًا أعظم من نفسك كائنًا من كنت وكيف كنت، فإن تكن طفلًا خرجت رجلًا، وإن كنت رجلًا خرجت حكيمًا، وإن كنت