خلاف الجنس أغلظ، فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك يستحب لها أن تغض بصرها، ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة لم ينظر، وهذا إشارة إلى التحريم. ووجه الفرق أن الشهوة عليهن غالبة وهو كالمتحقق اعتبارا، فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين، ولا كذلك إذا اشتهت المرأة؛ لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا فكانت من جانب واحد، والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق في جانب واحد.
قال:"وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل" لوجود المجانسة، وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن. وعن أبي حنيفة رحمه الله أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه، بخلاف نظرها إلى الرجل؛ لأن الرجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف للاشتغال بالأعمال. والأول أصح.
قال:"وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها" وهذا إطلاق في النظر إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام:"غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك" ولأن ما فوق ذلك من المس والغشيان مباح فالنظر أولى، إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير" ولأن ذلك يورث النسيان لورود الأثر. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة.
قال:"وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين. ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وفخذها". والأصل فيه قوله تعالى:{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}[النور:٣١] الآية، والمراد والله أعلم مواضع الزينة وهي ما ذكر في الكتاب، ويدخل في ذلك الساعد والأذن والعنق والقدم؛ لأن كل ذلك موضع الزينة، بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست من مواضع الزينة، ولأن البعض يدخل على البعض من غير استئذان واحتشام والمرأة في بيتها في ثياب مهنتها عادة، فلو حرم النظر إلى هذه المواضع أدى إلى الحرج، وكذا الرغبة تقل للحرمة المؤبدة فقلما تشتهى، بخلاف ما وراءها، لأنها لا تنكشف عادة. والمحرم من لا تجوز المناكحة بينه وبينها على التأبيد بنسب كان أو بسبب كالرضاع والمصاهرة لوجود المعنيين فيه، وسواء كانت المصاهرة بنكاح أو سفاح في الأصح لما بينا.