للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذمة ساووا المسلمين في المعاملات ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة فكذا بعد الممات "وفي الجامع الصغير الوصية لأهل الحرب باطلة" لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:٩] الآية.

قال: "وقبول الوصية بعد الموت فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو ردها فذلك باطل" لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد.

قال: "ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث" سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء، لأن في التنقيص صلة القريب بترك ما له عليهم، بخلاف استكمال الثلث، لأنه استيفاء تمام حقه فلا صلة ولا منة، ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا: إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى لما فيه من الصدقة على القريب. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" ولأن فيه رعاية حق الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم فالوصية أولى لأنه يكون صدقة على الأجنبي، والترك هبة من القريب والأولى أولى لأنه يبتغي بها وجه الله تعالى. وقيل في هذا الوجه يخير لاشتمال كل منهما على فضيلة وهو الصدقة والصلة فيخير بين الخيرين.

قال: "والموصى به يملك بالقبول" خلافا لزفر، وهو أحد قولي الشافعي. هو يقول: الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة لما أنه انتقال، ثم الإرث يثبت من غير قبول فكذلك الوصية. ولنا أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب، ولا يرد عليه بالعيب، ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله، أما الوراثة فخلافة حتى يثبت فيها هذه الأحكام فيثبت جبرا من الشرع من غير قبول.

قال: "إلا في مسألة واحدة وهي أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول فيدخل الموصى به في ملك ورثته" استحسانا والقياس أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك موقوف على القبول فصار كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع. وجه الاستحسان أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار إذا مات قبل الإجازة.

قال: "ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية" لأن الدين يقدم على الوصية لأنه أهم الحاجتين فإنه فرض والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم. "إلا أن يبرئه الغرماء" لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية على الحد المشروع لحاجته إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>