أمانة عنده وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع، ولو كان لم يشهد يجب أن يصير قابضا لأنه قبض غصب، لو قال هو عند فلان فبعه مني فباعه لا يجوز لأنه آبق في حق المتعاقدين ولأنه لا يقدر على تسليمه. ولو باع الآبق ثم عاد من الإباق لا يتم ذلك العقد؛ لأنه وقع باطلا لانعدام المحلية كبيع الطير في الهواء. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يتم العقد إذا لم يفسخ لأن العقد انعقد لقيام المالية والمانع قد ارتفع وهو العجز عن التسليم، كما إذا أبق بعد البيع، وهكذا يروى عن محمد رحمه الله.
قال:"ولا بيع لبن امرأة في قدح" وقال الشافعي رحمه الله يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر، ولنا أنه جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع، ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز بيع لبن الأمة لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها فكذا على جزئها. قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه لأنه يختص بمحل يتحقق فيه القوة التي هي ضده وهو الحي ولا حياة في اللبن.
قال:"ولا يجوز بيع شعر الخنزير" لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه، ويوجد مباح الأصل فلا ضرورة إلى البيع، ولو وقع في الماء القليل أفسده عند أبي يوسف. وعند محمد رحمه الله لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ولأبي يوسف رحمه الله أن الإطلاق للضرورة فلا يظهر إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها.
قال:"ولا يجوز بيع شعور الإنسان ولا الانتفاع بها" لأن الآدمي مكرم لا مبتذل فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا ومبتذلا وقد قال: عليه الصلاة والسلام: "لعن الله الواصلة والمستوصلة" الحديث، وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن.
قال "ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ" لأنه غير منتفع به، قال عليه الصلاة والسلام:"لا تنتفعوا من الميتة بإهاب" وهو اسم لغير المدبوغ على ما عرف في كتاب الصلاة "ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ" لأنها قد طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة "ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بذلك كله"؛ لأنها طاهرة لا يحلها الموت؛ لعدم الحياة وقد قررناه من قبل. والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد رحمه الله وعندهما بمنزلة السباع حتى يباع عظمه وينتفع به.