للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال هرقل: "أدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره". أي جعل أبا سفيان واقفًا ووراءه مجموعة من أصحابه، ثم قال لترجمانه: "قل لهم: إني سائلٌ هذا الرجل -يعني أبا سفيان- فإن كذبني فكذبوه".

وبدأ استجواب هرقل لأبي سفيان أمام الجميع من العرب والرومان وفي حضور عِلية القوم من الأمراء والوزراء والعلماء من الرومان. وفي هذا الاستجواب سوف نرى أن هرقل سيسأله أسئلة يحاول بها أن يتيقن من أمر هذه النبوة التي ظهرت في بلاد العرب، هل هي نبوة حقيقية أم كذب؟ وهذه الأسئلة عبارة عن استنباطات عقلية، وهذه الأسئلة بناء على معلومات عن الأنبياء بصفة عامة، وعن هذا النبي بصفة خاصة كما جاء في التوراة والإنجيل. وهذا الحوار الذي دار بين هرقل زعيم أكبر دولة في العالم في ذلك الوقت وأبي سفيان زعيم قريش، نحن نحسبه من أعجب الحوارات في التاريخ، وهو عجيب من أكثر من وجه؛ لاهتمام زعيم أكبر دولة في العالم بأمر رجل يظهر في صحراء العرب، أو من حيث ذكاء الأسئلة ودقتها، أو من حيث ردود أبي سفيان المشرك -آنذاك- الذي كان يكره محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كراهية شديدة، أو من حيث تعليق هرقل على كلام أبي سفيان في آخر كلامه، أو من حيث ردّ فعل هرقل بعدما سمع كلمات أبي سفيان. إنه حوار عجيب بكل المقاييس، وقد بدأ الحوار بسؤال:

كيف نسبه فيكم؟ قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب.

قال هرقل: فهل قال هذا القول من قبلكم أحد قَطُّ قبله؟ قال أبو سفيان: لا، لم يدَّعِ أحدٌ في تاريخ العرب النبوة.

فقال هرقل: هل كان من آبائه من مَلِك؟ فقال أبو سفيان: لا.

قال هرقل: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.

قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان: بل يزيدون.

قال هرقل: فهل يرتد أحد منهم سَخْطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال أبو سفيان: لا، لا يرتد منهم أحد.

قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا.

قال هرقل: فهل يغدر؟ قال أبو سفيان: لا. ثم قال: ونحن منه في مدةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها!

<<  <   >  >>