للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى اتصال السند:

تحدث رحمت الله فيه أنه لا بد لكون الكتاب سماوياً واجب التسليم أن يثبت أولاً بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبي الفلاني ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص، وكذلك مجرّد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه ... إن رحمت الله يهتم كثيرا بقضية السند والاتصال وهو يقدم أدلة على أن السند لدى الكتب المقدسة منقطع منذ زمن عيسى عليه السلام إلى القرن الثاني أو الثالث.

فقدان السند:

يقول رحمت الله: " فإذا كان الأمر كذلك فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبي أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم، وكذلك لا نعتقد بمجرد ادعائهم بل نحتاج إلى دليل، ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة. وتفحصنا في كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها شيئاً غير الظن والتخمين، يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن، وقد قلت إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً، فما دام لم يأتوا بدليل شاف وسند متصل فمجرد المنع يكفينا، وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا فلا سند لكون هذه التوراة المنسوبة إلى موسى عليه السلام من تصنيفاته ".

يعلل رحمت الله عدم وجود سند معتمد بأمور:

(الأمر الأول) تواتر هذه التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون، والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقيناً، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضاً غالباً قبل حادثة بختنصر، وفي حادثته انعدمت التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأساً، ولما كتب عِزرا (١) هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيوكس.

(الأمر الثاني) جمهور أهل الكتاب يقول: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفهما عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة، وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأول في بيان أولاد بنيامين، وكذا خالفوا في هذا البيان هذه التوراة المشهورة؛ فعلم أنها ليست التوراة التي صنفها موسى ولا التي كتبها عزرا، بل الحق أنها مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود وجَمعها أحبارُهم في هذا المجموع بلا نقد للروايات، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ.


(١) سفر عزرا كتب نحو ٤٠٠ قبل الميلاد وهو يدور حول عودة اليهود من الأسر البابلي. وينسب إلى عزرا زعيم اليهود العائدين من الأسر ويقال إنه نظم المجتمع اليهودي على أساس العهد القديم في ٤٥٨ ق. م أو ٣٩٧ ق. م. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.

<<  <   >  >>