للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(الأمر الرابع) ما أخبر من أخبار القرون السالفة والأمم الهالكة، وقد علم أنه كان أمياً ما قرأ ولا كتب ولا اشتغل بمدارسة مع العلماء ولا مجالسة مع الفضلاء، بل تربى بين قوم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعرفون الكتاب، وكانوا عارين عن العلوم العقلية أيضاً، ولم يغب عن قومه غيبة يمكن له التعلم فيها من غيرهم، والمواضع التي خالف القرآن فيها في بيان القصص والحالات المذكورة] في [كتب أهل الكتاب كقصة صلب المسيح عليه السلام وغيرها فهذه لمخالفة قصدية: إما لعدم كون بعض هذه الكتب أصلية: كالتوراة والإنجيل المشهورين، وإما لعدم كونها إلهامية، ويدل على ما ذكرت قوله تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} [النمل: ٧٦].

(الأمر الخامس) ما فيه من كشف أسرار المنافقين؛ حيث كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر والكيد، وكان الله يطلع رسوله على تلك الأحوال حالاً فحالاً، ويخبره عنها على سبيل التفصيل، فما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق، وكذا ما فيه من كشف حال اليهود وضمائرهم.

(الأمر السادس) جمعه لمعارف جزئية وعلوم كلية لم تعهد العرب عامة ولا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة من علم الشرائع، والتنبيه على طرق الحجج العقلية والسير والمواعظ والحكم، وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الآداب والشيم.

(الأمر السابع) كونه بريئاً عن الاختلاف والتفاوت مع أنه كتاب كبير مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم، فلو كان ذلك من عند غير الله لوقعت فيه أنواع من الكلمات المتناقضة؛ لأن الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك. ولما لم يوجد فيه ذلك علمنا أنه ليس من عند غير الله كما قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء: ٨٢].

(الأمر الثامن) كونه معجزة باقية متلوّة في كل مكان مع تكفل الله بحفظه، بخلاف معجزات الأنبياء فإنها انقضت بانقضاء أوقاتها، وهذه المعجزة باقية على ما كانت عليه من وقت النزول إلى زماننا هذا، وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين وحجتها قاهرة، ومعارضته ممتنعة وفي الأزمان كلها القرى والأمصار مملوءة بأهل اللسان وأئمة البلاغة، والملحد فيهم كثير والمخالف العنيد حاضر ومهيأ، وتبقى إن شاء الله هكذا ما بقيت الدنيا وأهلها في خير وعافية. ولما كان المعجز منه بمقدار أقصر سورة فكل جزء منه بهذا المقدار معجزة، فعلى هذا يكون القرآن مشتملاً على أكثر من ألفي معجزة.

(الأمر التاسع) أن قارئه لا يسأمه وسامعه لا يمجه، بل تكراره يوجب زيادة محبته، ولكن هذا الأمر بالنسبة إلى من له قلب سليم لا إلى من له طبع سقيم.

(الأمر العاشر) كونه جامعاً بين الدليل ومدلوله؛ فالتالي له إذا كان ممن يدرك معانيه يفهم مواضع الحجة والتكليف معاً في كلام واحد باعتبار منطوقه ومفهومه، لأنه ببلاغة الكلام يستدل على الإعجاز، وبالمعاني يقف على أمر الله ونهيه ووعده ووعيده.

<<  <   >  >>