للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غالباً في هذه المواضع كما عيب على مطلع امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل .. بسقط اللوى بين الدخول فحومل؛ بأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السبك وكثرة المعاني؛ فإنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل، وأن الشطر الثاني لا يوجد فيه شيء من ذلك ... وعيب على مطلع أبي النجم الشاعر المشهور فإنه دخل على هشام بن عبد الملك (١)،

فأنشده:

صفراء قد كادت ولما تفعل .. كأنها في الأفق عين الأحوال

وكان هشام أحول فأخرجه وأمر بحبسه.

وعيب على مطلع جرير، فإنه دخل على عبد الملك وقد مدحه بقصيدة حائية. أولها:

أتصحو أم فؤداك غير صاح

فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا ابن الفاعلة.

وعيب على مطلع البحتري فإنه أنشد يوسف بن محمد قصيدته التي مطلعها:

لك الويل من ليل تقاصر آخره

فقال: بل لك الويل والخزي ... وعيب على مطلع إسحاق الموصلي الأديب الحاذق، فإنه دخل على المعتصم وقد فرغ من بناء قصره بالميدان وأنشده قصيدته التي مطلعها:

يا دار غيرك البلى ومحاك * يا ليت شعري ما الذي أبلاك! ! فتطير المعتصم من هذا المطلع وأمر بهدم القصر على الفور.

(الأمر الثالث): كون القرآن منطوياً على الإخبار عن الحوادث الآتية، فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر.

كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون [{الفتح: ٢٧].فوقع كما أخبر، ودخل الصحابة المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين. ٢ - وكقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} [النور: ٥٥]. فكان الله وعد المؤمنين بجعل الخلفاء منهم وتمكين الدين المرضي لهم، وتبديل خوفهم بالأمن، فوفى وعده في مدة قليلة بأن ظهر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن أهل الإسلام تسلطوا على مكة، وخيبر والبحرين، ومملكة اليمن، وأكثر ديار العرب، وأن إقليم الحبش صار دار الإسلام بإيمان النجاشي الملك، وأن أناساً من هجر وبعض المسيحيين من نواحي الشام قبلوا الإطاعة وأداء الجزية.


(١) هشام بن عبد الملك (٧١ - ١٢٥ هـ، ٦٩٠ - ٧٤٣ م). من خلفاء الدولة الأموية بالشام. ولد في دمشق، وبويع بالخلافة فيها بعد وفاة أخيه يزيد عام (١٠٥ هـ - ٧٢٣ م). سار في بداية حكمه على نهج عمر بن عبدالعزيز في العدل والاستقامة، ولكن صرفته بطانة السوء عن هذا النهج؛ فكثر أعداؤه، واستفحلت في عهده العصبية القبلية بين المضرية واليمانية. واندلعت فتن كثيرة في عهده، مثل ثورة الخوارج في العراق والشيعة في الكوفة بزعامة زيد بن علي بن الحسين بن علي، والبربر في المغرب، فقضى عليها بحلمه ودهائه وحنكته. نقل مقر الخلافة من دمشق إلى الرصافة على الفرات، خوفًا من الطاعون الذي كان يغزو دمشق من حين إلى آخر. واهتم بتنظيم الدواوين، وأحسن معاملة أهل الذمة. وعمل على تعزيز العلم والثقافة في الشام، وترجمت الكتب في عهده. وعمل على إصلاح الزراعة في العراق، فجففت المستنقعات، وزادت بذلك رقعة الأرض الزراعية، فزادت الغلات .. واهتم بالفتوح، وحقق انتصارات كبيرة في الجبهة الرومية وجبهة جنوبي بحر الخزر. وشهدت بلاد الشام الأمن في عهده. مات هشام بالرصافة. وكان عهده نهاية لعهود الخلفاء الأمويين الأقوياء. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.

<<  <   >  >>