للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الرغبة والرجاء. وقالوا في شعراء فارس إن النظامي والفردوسي وحيدان في بيان الحرب، والسعدي (١) فريد في الغزل، والأنوري في القصائد ... والقرآن جاء فصيحاً على غاية الفصاحة في كل فن ترغيباً كان أو ترهيباً، زجراً كان أو وعظاً أو غيرهما. (وأورد ههنا بطريق الأنموذج من كل فن آية آية) ففي الترغيب قوله {من قرة أعين} [السجدة: ١٧] وفي الترهيب قوله {وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. ومن ورائه عذاب غليظ} [ابراهيم: ١٤ - ١٧] وفي الزجر والتوبيخ قوله {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً. ومنهم من أخذته الصيحة. ومنهم من خسفنا به الأرض. ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [العنكبوت: ٤٠] وفي الوعظ قوله {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٧] وفي الإلهيات قوله {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} [الرعد: ٨ - ٩].

(الأمر الثاني): تأليفه العجيب وأسلوبه الغريب في المطالع والمقاطع والفواصل، مع اشتماله على دقائق البيان وحقائق العرفان، وحسن العبارة، ولطف الإشارة، وسلامة التركيب، وسلامة الترتيب، فتحيرت فيه عقول العرب العرباء، وفهوم الفصحاء. والحكمة في هذه المخالفة أن لا يبقى لمتعسف عنيد مظنة السرقة، ويمتاز هذا الكلام عن كلامهم ويظهر تفوقه؛ لأن البليغ ناظماً كان أو ناثراً يجتهد في هذه المواضع اجتهاداً كاملاً، ويمدح ويعاب عليه


= في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، وأنه شهد حرب داحس والغبراء ويوم جبلة. كما عاصر نفرًا من شعراء العصر الجاهلي منهم النابغة الذبياني، وأوس بن حجر، وعنترة بن شداد العبسي. ونستنتج من شعره أنه عمّر طويلاً .. وكان من أحزم الناس رأيًا، لذلك كانت غطفان تستشيره إذا أرادت الغزو وتصدر عن رأيه. وقد انقطع زهير لهرم بن سنان، وقال فيه جل مدائحه، وشهد حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان. ونظم فيها معلقته التي مطلعها: أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدراج فالمتثلّم ... وأما الأسباب الأخلاقية، فإنها تتصل بقيمتي الصدق والإخلاص في التعبير عنده، ولذا أعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشعر زهير للصدق في منطقه، ولأنه لايحسن في صناعة الشعر أن يُعطى الرجل فوق حقه من المدح. ومن أعمق شعره وأشده تأثيرًا في النفس تلك الأبيات من معلقته التي يصدر فيها عن تجربة في الحياة ومعرفة بالأحياء من حوله. يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعشْ
ثمانين حولاً لا أبالك يسأم
وأعلم مافي اليوم والأمس قبلَه
ولكنني عن علم مافي غدٍ عَمِ
رأيت المنايا خبط عشواء من تصبْ
تُمتِه ومن تخطئْ يُعَمَّرْ فيهرَمِ
ومن لم يُصانعْ في أمور كثيرةٍ
يضرّس بأنياب ويَوُطأ بمَنسْمِ
ومن يجعل المعروف من دون عْرضِه
يَفِرْه ومَنَ لايتّقِ الشتم يُشتَمِ .. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق (بتصرف).
(١) سعدي (١٢١٣ - ١٢٩٢ م). كاتب وشاعر فارسي مشهور يعرف سعدي الشيرازي، له مؤلفات كثيرة في مجالي الشعر والنثر. أشهر مؤلفاته كتابه المسمى: جلستان (حديقة الورود) وهو مجموعة من الحكايات النثرية القصيرة معها بعض الأشعار التهذيبية. تتميز كتابات سعدي بأسلوبها الجزل الواضح وبما فيها من روح التسامح والعواطف الإنسانية. ولعل ماتميزت به كتاباته من سهولة وقيم خلقية رفيعة، هو ماجعله أكثر كُتَّاب الفرس شعبية.
ولد سعدي في شيراز، وعاش في فترة اضطراب سياسي مما جعله يقضي أغلب فترات حياته متنقلا من مكان إلى آخر، ومتجولا من نصير إلى آخر. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.

<<  <   >  >>