للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلامي كشعرهما الجاهلي، والقرآن جاء فصيحاً مع التنزه عن الكذب والمجازفة.

(ثانيا) أن الكلام الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين والباقي لا يكون كذلك، بخلاف القرآن فإنه مع طوله فصيح كله، بحيث يعجز الخلق عنه. ومن تأمل في قصة يوسف عليه السلام عرف أنها مع طولها وقعت على الدرجة العالية من البلاغة.

(ثالثا) أن الشاعر أو الكاتب إذا كرر مضموناً أو قصة لا يكون كلامه الثاني مثل الأول، وقد تكررت قصص الأنبياء وأحوال المبدأ والمعاد والأحكام والصفات الإلهية، واختلفت العبارات إيجازاً وإطناباً وتفنناً في بيانها غيبة وخطاباً، ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً.

(رابعا) أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة؛ ولذلك إذا قيل لشاعر فصيح أو كاتب بليغ أن يكتب تسع أو عشر من مسائل الفقه أو العقائد في عبارة فصيحة مشتملة على التشبيهات البليغة والاستعارات الدقيقة يعجز.

(خامسا) أن كل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن، كما قالوا في شعراء العرب: إن شعر امرئ القيس يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل، وشعر النابغة (١)

عند الخوف وشعر الأعشى (٢)

عند الطلب ووصف الخمر وشعر زهير (٣)


(١) النابغة الذبياني (ت نحو ٦٠٤ م). زياد بن معاوية، ينتهي نسبه إلى سعد بن ذبيان بن بغيض. وأمه عاتكة بنت أنيس من بني أشجع الذبيانيين، فهو ذبياني أبًا وأمًا، وكان يكنى بأبي أمامة وأبي ثمامة، وله ابنة تُسمى عقرب وربما كني بها أيضًا. ويلقب بالنابغة وبهذا اللقب عرف واشتهر. واختلف الرواة في تعليل هذا اللقب، فقالوا: لُقِّب به لقوله: ̧فقد نبغت لنا منهم شؤون·، أو لأنه لم يقل الشعر حتى صار رجلاً، أو لنبوغه في الشعر وتفوقه فيه. من أعلام الشعراء الجاهليين أصحاب المعلقات ومطلع معلقته: يادار مية بالعلياء فالسّند ... أقوتْ وطال عليها سالف الأمد

والمعلومات حول فترة طفولته وشبابه شحيحة. وقد اكتفى الرواة بالقول: إن النابغة كان من أشراف ذبيان وبيوتاتهم، وكان معاصرًا لحرب داحس والغبراء التي دارت رحاها بين قبيلته وقبيلة عبس بين عامي (٥٦٨ و ٦٠٨ م). ولعله لم يشهد نهايتها، إذ لم يرد في أشعاره أي شيء يتصل بانتهائها. والنابغة عند بعض الرواة من الشعراء الأشراف. وفد على النعمان بن المنذر أمير الحيرة (٥٨٠ و ٦٠٢ م)، فلزمه ومدحه بكثير من غرِر قصائده. وفي هذه الفترة حقق النابغة شهرته الأدبية ومكانته الاجتماعية المتميزة، فقد كان يضرب له في سوق عكاظ قبة فتأتيه الشعراء، فتعرض عليه أشعارها. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.
(٢) الأَعْشَى (؟ - ٧ هـ، ؟ - ٦٢٩ م). ميمون بن قيس ابن جندل بن شراحيل؛ من شعراء المعلقات. وينتهي نسبه إلى ضُبَيْعَة بن قيس بن ثعلبة أحد الفروع التي تفرعت إليها قبيلة بكر. وكانت بكر تنزل في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية على امتداد ما بين وادي الفرات واليمامة في الجنوب الشرقي من نجد، وكانت قيس تنزل في إقليم اليمامة. لُقِّب بالأعشى لضعف بصره ويكنى أبا بصير. وسُمّىَ صناجة العرب؛ لأنه كان يتغنى بشعره. وأمه بنت علس أخت المسيب بن علس الشاعر، وعنه حمل الشعر الأعشى إذ كان راويته. عاش الأعشى في أواخر العصر الجاهلي وولد بقرية باليمامة يقال لها منفوحة (أصبحت إحدى ضواحي مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية). وقد أدرك الإسلام، ولكنه لم يُسْلم، وتروى له قصيدة في مدح الرسول ٣، تناولها عدد من الدارسين المحدثين بالنقد، وساقوا أدلة تثبت انتحالها عليه. وتشير أخباره في المصادر العربية وقصائده في الديوان إلى أنه كان كثير التنقل والأسفار، وأن تطوافه في أنحاء الجزيرة كان الهدف منه مدح السادة والأشراف؛ فقد مدح طائفة من أشراف العرب في نجد والحجاز، وأطراف اليمن، وفي الحيرة وبادية الشام. ولهذا حط من قدر نفسه بالتكسب بشعره. وإن كان هذا هو رأي القدماء فيه؛ فإن الدارسين المحدثين يعدّونه أهم شاعر حوّل المدح في الشعر الجاهلي إلى احتراف خالص من أجل التكسب والعيش. الموسوعة العربية العالمية السعودية، مرجع سابق.
(٣) زهير بن أبي سُلْمى (؟ - ٦٢٧ م). ربيعة بن رباح المزني. جاهليٌ من شعراء المعلقات، اختلف الرواة في نسبه، فبعضهم ينسبه إلى غطفان، وآخرون يردونه إلى مزينة، ولا يعرف بالتحديد متى وُلِدَ، ولكن يجمع الرواة على أنه عاش =

<<  <   >  >>