كتب "المدونة" والإحالة عليها، مما قد يدل أن المؤلف حفظ الكتاب، ويستحضر أيضاً مواقعها في الأمهات الأخرى، ويورد نصوصها لمزيد من التفصيل والتوضيح، وأجلى ما يبين هذا المثال الآتي:
- "ثم اختلف العلماء في الخيار إذا وقع اختلافاً كثيراً، والمتحصل من الأقوال في مذهبنا فيها ستة أقوال:
أشهرها مذهب الكتاب وأن اختيار المرأة ثلاث، ولا مناكرة للزوج، نوت المرأة الثلاث أم لا، وأن قضاءها بدون الثلاث لا حكم له. ثم اختلف هل هو مسقط للخيار ولا قضاء لها بعد، أم لها القضاء ثانية؟
الثاني: أنها ثلاث بكل حال وإن نوت دونها أو لم تنو شيئاً، ولا تسأل عن شيء، ولا مناكرة للزوج. وهو قول عبد الملك.
الثالث: أنه واحدة بائنة. ذكره ابن خويز منداد عن مالك، وهو أحد مذهبي علي بن أبي طالب. وتأوله اللخمي على حكاية ابن سحنون عن أكثر أصحابنا واختاره هو.
الرابع: أن للزوج المناكرة في الثلاث والطلقة بائنة، وهو قول ابن الجهم، وهو الظاهر عندي من معنى ما حكاه ابن سحنون عن أكثر أصحابنا لا ما تأوله اللخمي.
الخامس: له المناكرة والطلقة رجعية، وهو ظاهر قول سحنون. وعليه تأوله اللخمي كالتمليك. وهو قول عمر وعلي أولاً. ومذهب أبي يوسف: أن الخيار رجعية.
السادس: أنها إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها أو ردت الخيار عليه فهي واحدة بائن. وهو قول زيد بن ثابت. وحكاه النقاش عن مالك. والحسن والليث رأوا أن نفس الخيار طلاقاً. والخلاف فيه قائم من "الموطأ"، وهو قوله بعد قول ابن شهاب: "إذا خير الرجل امرأته فاختارته، فليس ذلك بطلاق، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت". ولم ير أبو حنيفة الخيار حكماً.