إلا كتاب "التنبيهات"، وهنا تظهر حاجة "المدونة" إلى هذا الكتاب.
٤ - " المدونة" ومختصر خليل:
من خلال قراءة كتاب "التنبيهات" يدرك القارئ قيمة مختصر خليل، ويعرف المقصود مما فيه من الإشارات، فهو عندما يذكر مصطلحات مثل:(تأويلان، أو تأويلات، ظاهره، والصحيح)، إلى غير ذلك من المصطلحات التي قد يحفظها الطالب من غير أن يدرك معناها. قد لا يعرف ماذا تعني، لكنه عندما يدرس كتاب "التنبيهات" يفهم أن ما يشير إليه خليل ناشئ عن اختلاف روايات "المدونة"، وتأويل المختصرين لها، واختلاف الشارحين لنصوصها.
وبذلك تدرك أهمية الشيخ خليل الذي حاول جمع المذهب في كتيب صغير الحجم، كثير العلم، وإن كان في عبارته تعقيد في بعض الأحيان، إلا أنَّه استطاع أن يجمع علماً كثيراً في عبارة وجيزة، وكمثال على ذلك مسألة طال الكلام فيها في رواية علي بن زياد "للموطأ" وفي "المدونة"، وهي مسألة أن ما قطع من الصيد من يد، أو رجل، أو أذن، أو غير ذلك - غير الرأس - لا يؤكل؛ لأنه غير مذكى، إذا لم تنفذ به مقاتل الصيد، لأنَّ الصيد ذكاته بذلك، فلا يؤكل المقطوع دون النصف إلا الرأس.
وجاءت هذه المسألة في "الموطأ" الزيادي في فقرة طويلة، من عشرة أسطر، وكذلك وردت في "المدونة" بتسعة أسطر. وهذا البسط يجمعه ما أشار إليه خليل بعبارة وجيزة دقيقة مفيدة وهي:"ودون نصف أبين ميتة إلا الرأس"(١).
[٥ - حاجة "المدونة" إلى كتاب التنبيهات]
لا يمكن الاستغناء عن هذا الكتاب في تصحيح "المدونة" وفهم نصوصها، وقد اعتمده الكثير من العلماء الذين شرحوا "المدونة"، أو علقوا
(١) انظر: مقدمة تحقيق موطأ مالك برواية علي بن زياد للشيخ الشاذلي النيفر، ص: ١٠، والعبارة في المختصر: ٩١.