للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: أثر القاضي عياض في فن التحقيق]

قد يظن البعض أن التحقيق من عمل الناشرين، يتوقف على عمل تقني محدود، ينحصر في المقابلة الشكلية للنص، وأن أهميته دون أهمية البحث في موضوع ما؛ لأنَّ الموضوع يطرح مشكلة ما على مشرح البحث، ويحاول دراستها من جميع الجوانب، فتنصب هذه الدراسة على تصحيح وضعيتها إذا كان فيها خلل، أو إلى إتمامها إذا كان فيها نقص، أو على شرحها إذا كان فيها غموض، أو على نقدها وطرح البديل لها، بينما غاية التحقيق إخراج كتاب كان موجوداً، وإضاعة الوقت فيه نزولاً وصعوداً، لكن الأمر ليس كذلك، فإذا كان الموضوع يطرح مشكلة للبحث، فإن التحقيق يطرح مشاكل كثيرة، بدءاً بالتحقيق في عنوان الكتاب، إلى التحقيق في نسبته إلى مؤلفه، إلى التأكد من نصوصه، إلى دراسة النسخ ومقابلتها والترجيح فيما بينها.

ولم يكن التحقيق جديداً بالنسبة للمسلمين ولا غريباً بين علومهم، بل هو متأصل في جذور معارفهم. يقول الدكتور رمضان عبد التواب: لقد سبق العرب علماء أوروبا إلى الاهتداء للقواعد التي يقابلون بها بين النصوص المختلفة، لتحقيق الرواية، والوصول بتلك النصوص إلى الدرجة القصوى من الصحة (١).


(١) مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، ص: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>