كل هذا يضاف إلى الاختلاف الأصلي في روايات "المدونة"، وهذا يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل لتتبع هذه المسائل. ونظراً لأهمية موضوع القواعد، فإنني سأعرض لبعض النماذج منها، لكي أحيل القارئ على الرجوع إليها في النص للاستفادة من الشرح الذي يقدمه عياض بين يدي هذه القواعد أولاً، وللتمسك بالخيط الذي يبين المصدر الذي أخذت منه هذه القاعدة، وذلك من أجل تتبعه لمعرفة منطلقها الأصلي، ولا أعني بكلامي هذا أن عياضاً كان يتتبع هذه القواعد، ويقوم بشرحها، وهو يقصد ذلك في تأليفه، وإنما جاء عمله هذا عرضاً أثناء شرحه لبعض نصوص "المدونة"، كما أنني لم أتتبع كل هذه القواعد في الكتاب لطوله، وإنما اكتفيت ببعض ما ذكر منها في الجزء الثاني، ويبقى الموضوع لمن أراد أن يتجه إلى البحث فيه. وإليكم هذه النماذج.
[قاعدة في بيوع الآجال]
قال عياض: والأصل في بيوع الآجال إذا دخلت فيها الإقالة، أو اشترى البائع بعض ما اشترى منه المبتاع، أو ما هو من صنفه: أن ينظر إلى البيعة الأولى، فإذا كانت إلى أجل فهي من بيوع الآجال، فينظر فيها إلى ذريعة فعلهما ومآل أمرهما، وما يجوز من ذلك لو قصداه ابتداء فيمضي، وما لا يجوز فيرد، كانوا ممن يتهم بالعينة أم لا، إلا ما بعدت فيه التهمة من ذلك وعدمت الذريعة، وكذلك فيمن لا تليق به التهمة.
هذا الكلام الذي شرح به عياض بيوع الآجال مع الكلام على أحكامه، وعقود الآجال التي جاءت بعد هذا الشرح، هو الذي يوضح الكلام المختصر والمركز الذي جاء به المقري من بعده في قواعده المجردة التي لم تقرن بأمثلة، ولا بإحالة على مصادر تعين على تفسير وتوضيح هذه القاعدة، فقد ورد له في بيوع الآجال في القاعدة (٩٩٥): أصل مالك حماية الذرائع، واتهام الناس في بياعات الآجال والربا، فينظر إلى ما خرج عن اليد وعاد إليها، فإن كان مما لو ابتدأ المعاملة عليه جاز فعلهما، وإلا لم يصح. فإذا صرف ديناراً بعشرين درهماً فتسلفها من صاحبه لم يجز، وكأنه