لما قدم أسد بن الفرات الإفريقي من رحلته العلمية إلى الإمام مالك ثم إلى العراق، حل مصر فذهب إلى ابن القاسم وعرض عليه أسئلة ليجيبه عليها على مذهب مالك، فأجابه إلى ما طلب بما حفظ عن مالك بقوله، وفيما شك فيه قال: إخال، وأحسب، وأظن. ومنها ما أجاب فيه باجتهاده على أصل قول مالك، فكان يسأله كل يوم حتى دون عنه ستين كتاباً، وسميت تلك الكتب بـ "الأسدية"، فدخل بها أسد القيروان يدرسها وحصلت له بها رئاسة.
ثم تلطف سحنون حتى وصلت إليه - وكان منعها منه - وارتحل بها إلى ابن القاسم فعرضها عليه، فقال له ابن القاسم: فيها شيء لا بدّ من تغييره، وأجاب عما كان يشك فيه، واستدرك منها أشياء كثيرة, لأنه كان أملاها على أسد من حفظه. وكتب إلى أسد أن عارض كتبك بكتب سحنون، فإني رجعت عن أشياء مما رويت عني. فغضب أسد وقال: قل لابن القاسم: أنا صيرتك ابن القاسم، أرجع عما اتفقنا عليه إلى ما رجعت أنت الآن عنه؟ فترك إسماعها، فذكر أن ذلك بلغ ابن القاسم فقال: اللَّهم لا تبارك في "الأسدية"، قال الشيرازي: فهي مرفوضة إلى اليوم (١). وقال
(١) المدارك: ٣/ ٢٩٦ - ٢٩٨، ٢٩٩. مقدمة ابن خلدون: ص: ٤٥٠. وفيات الأعيان: ٣/ ١٨١، ١٨٢. معالم الإيمان: ٢/ ٦، وما بعدها. سير أعلام النبلاء: ١٠/ ٢٢٦.