ذاتها، أم في امتدادها وتاثيرها في تفسير النص الفقهي وما تبعه من اختلاف فقال:"وربما اختلف المعنى لذلك الاختلاف فحمل على وجهين، أو تحقق الصواب أو الخطأ في أحد اللفظين". أما اعتناؤه بالقضايا الفقهية ومضامين الكتاب فإنما جاء ثالثاً بعد قضيتي الرواية واللغة وفي آخر المقدمة إذ قال:"ونثرنا أثناء ذلك نكتاً من كلام المشايخ والحذاق وتعليقاتهم، إلى ما استثرناه من أسرار الكتاب واستنبطناه إلى تنبيهاتهم". فهو بهذا يروم القول بأن إيلاء الاهتمام للجانب الفقهي ثانوي، وكما قال:"لتتم الفائدة لباغيها، وتكمل المنفعة لدارسها وراويها".
والمقصد من هذا الإيراد التنبيه إلى قضية منهجية في كتاب "التنبيهات" لا بدّ من مراعاتها في التعامل معه، وهي أنه ليس كتاباً فقهياً متكاملاً ولا كاملاً، وإنما يحتوي من الفقه بعض الموضوعات ذات العلاقة بالمسائل التي فيها بعض الإشكال في الرواية أو الدراية، ونسبة هذه المسائل إلى مجموع ما في "المدونة" ضئيل. وإذا كان الأمر هكذا، فلا ينتظر في مادة الكتاب تمام البناء ولا انتظام الهيكلة، ولا الوحدة الموضوعية المتناغمة.
وعلى رغم هذا، فإن المادة الفقهية في كتاب "التنبيهات" غزيرة وغنية وغاية في الأهمية؛ لأن مؤلفها عندما يقتنص إحدى المسائل المحتاجة إلى بيان وتعليق، يبين عن مخزون فقهي ثري، وعن نظر أصولي قوي، وعن رأي وترجيح، ولا غرو أن يقول عن تنبيهاته الفقهية وهو يشعر بهذا التفوق:"وأكثرها مما لم يقع له في الشروحات ذكر، ولا انكشف له في التعاليق سر".
فما هي مشكلات الدراية في الكتاب؟ وكيف عالجها المؤلف؟
أولاً: بعض الآراء الأصولية في الكتاب:
آراء القاضي عياض الأصولية مبثوثة في كتبه الثلاثة الأساسية:"الشفاء"، و"الإكمال"، و"التنبيهات"، بالإضافة إلى ما في مقدمة كتاب "المدارك". والقسط الأكبر منها في صورة تطبيقات عند مناقشة المسائل الخلافية أو شرح النصوص الشرعية.