الواقع في بعض مواطن الكتاب وفي بعض النسخ أو في كلها أحياناً، لا بدّ أن يحمل على التفكير في طبيعة أصل الكتاب والمدى الذي بلغه المؤلف في تصنيفه، وسيأتي تفصيل هذا المشكل الأخير عند الحديث عن نسخ الكتاب.
[٢ - تعامل المؤلف مع مادة المدونة]
وجد المؤلف نفسه أمام كتاب مبسوط وأسلوب لا يعرف الاختصار، بل قد يعتريه الاستطراد، وفي كل مسألة سؤال يبسُطها، وربما استدل لها ووضع إشكالاً يرد عليها، ثم جواباً بالنفي أو الإيجاب، مع الدليل السمعي أو القياسي، وتفريعاً على أصل المسألة أحياناً. فإن رام القاضي عياض ذكر هذا كله اشتغل بما لا ينفع به، وإن صاغ المسائل بأسلوبه خرج عن مقصده، فالتجأ إلى سبيل وسط، مراعياً أحوال المسائل ومساقاتها، فقد يسوق كلام الأصل بحروفه، وقد يختصره، وقد يشير إليه. والغالب عليه الاختصار مع الإبقاء على جل كلمات الأصل إلا في حالات خاصة، كطول المسألة، أو افتراقها في الكتاب كما قال مرة في آخر كتاب "الحج": "وقع له هذا الكلام في وسط الكتاب في موضعين بأطول من هذا اللفظ في السؤال والجواب، وإنما اختصرته على المعنى".
وبدهي أنه مضطر إلى التصرف في السياق بتغيير الضمائر وصيغ الأفعال ليناسب سياق المتكلم الشارح، فمثلاً جاء في "المدونة": "قلت لابن القاسم: أكان مالك يعرف التسبيح في الركعتين الآخرتين؟ قال: لا". وصاغه المؤلف كما يلي:"وقوله: لم يكن مالك يعرف التسبيح في الركعتين الآخرتين".
وللوقوف على أسلوبه في الاختصار وضغط الكلام وأسلوب "المدونة" في التطويل، أورد هذا النموذج: جاء في "المدونة": "قلت: أرأيت هذا الذي فاته بعض صلاة الإمام فسلم الإمام وعليه سجدتا السهو بعد السلام، فسجدهما الإمام، فأمر مالك هذا أن يجلس حتى يسلم الإمام من سهوه،