والرجال، بهذه المدارك الواسعة استطاع أن يحفظ للمعلومة صحتها، وأن يبلغها للقارئ في أجود حللها. وقد استطاع بعلمه أن ينتزع الشهادة من علماء المشرق والمغرب برسوخ قدمه في العلم بفنونه المختلفة. فهو كما قيل: شجرة نبتت بالمغرب وفاح شذاها بالمشرق، وهو معتمد الكثير من العلماء شرقًا وغرباً، فلا يليق بنا أن نترك علمه يضيع بين ركام المخطوطات من غير أن نحاول نشره، وأن نكون نحن المغاربة من السباقين لذلك.
[٢ - ارتباط الكتاب بالمدونة]
إن موضوع الكتاب يتناول مصدراً أساساً من مصادر المالكية، وهو "المدونة"، وهي المصدر الثاني بعد "الموطأ"، وهذا المصدر رغم سلاسة أسلوبه فإنَّه ما زال في حاجة إلى الكثير من البحث والتعمق في بعض جزئياته. وما جاء به القاضي عياض في كتابه هذا يوضح الكثير من المسائل التي ربما لا ينتبه إليها القارئ العادي، ولا تثير إلا انتباه المتخصصين.
[٣ - الوضع الحالي للمدونة]
إن قراءة "المدونة" كما هي عليه اليوم ستجيب عن السؤال: لماذا يتعب الطلبة والفقهاء أنفسهم بقراءة مختصر خليل، وفك ألغازه، ويتركون "المدونة"، وهي سهلة الأسلوب واضحة المعاني مقرونة في غالب أبوابها بالأدلة من الأحاديث والآثار، وهي مطبوعة ومتداولة؟ لكن بعد قراءة "التنبيهات" يتبين أن تدريس "المدونة" بوضعها الحالي بنسخها المطبوعة، فيه مجازفة كبيرة، لما فيها من الأخطاء، كما يجب الاحتياط من أخذ الأحكام منها إلا للفقهاء الممارسين الذين يدركون الخلل الفقهي بملكتهم الفقهية، ويتنبهون بذوقهم للأخطاء الطارئة على النص. وفي نسخها الكثير من هذا النوع. كما يوجد في نسخها المطبوعة اختلافات في النص بزيادة أو نقصان، وعندما يأتي القارئ ليقارن بينها فقد يضيف إلى هذه الطبعة ما نقصها من الطبعة الأخرى، وهو لا يعلم أن هذا النقص هو نقص في الرواية، وأن هذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف الروايات. وهذا لا يوضحه