* غير أنه أحياناً يسكت عن التوفيق أو الترجيح بين الآراء، وربما اختار من الخلاف ما يطمئن إليه دون تعليل اختياره، وهو سلوك يحكيه عن بعض الشيوخ معبراً بقوله: ترجح فيه فلان، أو: توقف، أو: اللفظ محتمل.
* والأسلوب الثاني - بعد التوقف وعدم الترجيح -: هو التأويل والجمع والتوفيق بين الآراء والروايات المختلفة، وربما يرجع هذا لعموم ألفاظ الروايات وعدم تفصيلها، ولذلك عادة ما نجد المؤلف في أول تناوله للنص يستهل بقوله: ظاهر الكتاب، ظاهره الخلاف، ثم يتعقبه بالتدقيق في الدلالة، ويورد عليه ما في بقية الروايات ...
والمؤلف بارع في هذا المقام، يبين عن عارضة قوية، يدل لذلك عده وفاقاً لما عده غيره خلافاً، وفي مثل ذلك يقول:"لكن يظهر لي وجه يوفق بين الروايتين إن شاء الله". ويسلك أساليب عدة للتوفيق أخصها نابع من امتلاكه ناصية اللغة والبيان، كما في هذا المثال:
- "وقوله في كلام غير ابن القاسم: لأن الزوج هو الناكح والمُفْرِضُ" كذا الرواية عند شيوخي، وأخبرني أبو محمَّد بن عتاب عن أبيه أنه قال: لعله: المفوّض، يريد في التحكيم، إذ جعله إلى غيره. وإنما أصلحه الشيخ لأنه لا يقال: مفرض، في التقدير، إنما يقال: فارض, لأنه من: فرض. لا من: أفرض؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)}، {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}. وقد رأيته في بعض النسخ: الفارض، وأراه إصلاحاً. لكن للمُفرض - على ما وقعت عليه الرواية - عندي وجه صحيح، وذلك أن: أفرض بمعنى: أعطى معلوم في اللغة، فيُخَرَّج على هذا، أي: أن الزوج هو الذي يعطي الصداق، فتأمله. أو يكون: المفرِض الذي يجعل الفرض لغيره ويفوضه له، فيكون بمعنى