للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن المقصود بالرواية في كتابه "التنبيهات" روايات "المدونة" عن سحنون عن ابن القاسم، كما أخذها عن شيوخه. قال عياض وهو يقارن بين هذه الروايات بعد أن ساق نصاً من "المدونة": وثبت هذا في كتاب ابن عيسى، وسقط في أكثر الروايات، ونبه عنده على سقوطها من بعض الروايات.

وما دام حديثنا عن الروايات والأقوال فلا بأس أن نشير إلى ما ذهب إليه ابن عبد السلام من عدم اعتبار آراء الشراح أقوالاً, لأنهم إنما يبحثون عن تصور اللفظ، قال وهو يتعقب كلام ابن الحاجب مؤاخذاً عليه اعتبار اختلاف شيوخ "المدونة" أقوالاً. فقال: وذلك أن المؤلف وكثيراً من المتأخرين (١) يعدون اختلاف شيوخ "المدونة" أقوالاً في المسألة التي يختلفون فيها، والتحقيق خلافه, لأن الشراح إنما يبحثون عن تصور اللفظ. والقول الذي ينبغي أن يعد خلافاً في المذهب، إنما مآله إلى التصديق. ألا ترى أن شارح لفظ الإمام إنما يحتج على صحة مراده بقول ذلك الإمام، وبقرائن كلامه من عود الضمير وما أشبهه. وغير الشارح من أصحاب الأقوال إنما يحتج لقوله بالكتاب والسنَّة، وبغير ذلك من أصول صاحب الشريعة، فلم يقع بين الفريقين توارد، فلا ينبغي أن تجمع أقوالهم في المسألة، وإنما ينبغي أن يعد الكلام الذي شرحوه قولاً واحداً، ثم الخلاف إنما هو في تصور معناه (٢).

وأسلوب عياض في هذا الباب شبيه بما ذهب إليه ابن الحاجب، فهو يستعمل القول لما ذهب إليه مالك وابن القاسم وما ذهب إليه الشيوخ، إلا أن الكثير في كلامه أن يستعمل - بدل القول - قال، أو ذهب، أو مذهب، أو إلى هذا نحا، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يريد من خلالها أن يوضح ما يأخذ به كل فقيه.


(١) ابن عبد السلام يخالف رأي ابن الحاجب وعليش، انظر: نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي: ص: ٢٩، منار السالك إلى مذهب مالك: ص: ٦٢.
(٢) كشف النقاب الحاجب عن مصطلح ابن الحاجب: ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>