للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يمكن أن تختلف الآراء في هذه الفترة بين موال ومعاد. وغالباً ما تضيع الكثير من الحقائق في مثل هذه الفترة التي تسقط فيها دولة، وتقوم على أنقاضها دولة أخرى. فالقاضي عياض ابتسمت له الحياة السياسية في عهد المرابطين طالباً، ومدرساً، وقاضياً، فاستغل هذه الفترة المزدهرة من حياته في جمع العلم ونشره، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان وفياً لهذه الدولة التي اهتمت بالفقه والفقهاء، لكن هذه الفترة لم تدم طويلاً حتى بدأت ملامح دولة أخرى تلوح في الأفق، يطرد لمعان شعاعها الضوء الخافت المتبقي من دولة المرابطين. فإذا كان القاضي عياض ومن سبقه من العلماء هم حملة مشعل الهداية في عهد المرابطين، وهم فقهاء الدولة، فإن الذي يحمل في الدولة الجديدة مشعل الهداية والإرشاد في بداية أمرها هو الذي يحمل مشعل السياسة، ألا وهو الفقيه السياسي المهدي بن تومرت. وما هي إلا أعوام قليلة بعد وفاة المهدي حتى تتقدم جيوش الموحدين نحو سبتة، فيكون عياض في حيرة من أمره، كيف يتعامل مع هذه الدولة الفتية التي يختلف معها في الكثير من مناهجها. ورغم هذا الاختلاف فقد ساير هذه الدولة إلى أن توفي، وقد أراد الله له ألا يموت إلا بعد أن يشهد وفاة دولة المرابطين، ويشهد ميلاد دولة الموحدين، وبين هاتين الدولتين اختلاف كبير في المنهج السياسي والعقدي، مما يجعل فترة انسجام عياض مع توجهات هذه الدولة لا يمكن أن تمر من غير أن تحدث هزات نفسية في نفسه إن لم تضع حدًّا لحياته. فهي - لا شك - ستخلق له متاعب صحية، ولم تطل هذه المدة التي عاش فيها عياض في كنف السلطان الجديد حتى اختاره الله لجواره، فتوفي ليلة الجمعة - نصف الليل - التاسعة من جمادى الأخيرة من سنة أربع وأربعين وخمسمائة (١)، ودفن بمراكش رحمه الله في باب أيلان داحنل السور كما قال ابنه (٢).


(١) التعريف ص: ١٣. الصلة: ٢/ ٤٣٠، أنباء الرواة: ٢/ ٣٦٤، المختصر في أخبار البشر ص: ٧٣٢، النجوم الزاهرة: ٥/ ٢٨٤، تذكرة الحفاظ: ٤/ ٩٨.
(٢) التعريف ص: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>