للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وقد كان للقدماء رضي الله عنهم في تدريس "المدونة" اصطلاحان: اصطلاح عراقي واصطلاح قروي؛ فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل "المدونة" كالأساس، وبنوا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ، ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين.

وأما الاصطلاح القروي فهو البحث عن ألفاظ الكتاب وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات وبيان وجوه الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب واختلاف المقالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار وترتيب أساليب الأخبار وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع، وافق عوامل الإعراب أو خالفها ... ويحقق ما قلناه تصرف التونسي في تعاليقه اللطيفة المنزع، واللخمي في تبصرته البارعة الختام والمطلع، إلى غير ذلك من تآليف القرويين وتعاليق المحققين من شيوخ الإفريقيين.

وقد سلك القاضي عياض في تنبيهاته مسلكاً جمع فيه بين الطريقتين والمذهبين، وذلك لقوة عارضته" (١).

ونص القاضي أبو بكر بن العربي على تباين المنهجين في قوله: "قرأنا "المدونة" بالطريقتين القيروانية في التنظير والتمثيل، والعراقية على ما تقدم من معرفة الدليل" (٢).

خدمة المدونة بسبتة:

هذا الفرش يقصد إلى بيان حضور الدرس الفقهي بوساطة "المدونة" ببلد القاضي عياض سبتة قبيل زمنه وأثناءه حسب ما توفره المصادر، وهو


(١) نقل هذا النص المقري في أزهار الرياض: ٣/ ٢٢ - ٢٣.
(٢) ذكر هذا في قانون التاويل: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>