فهذه عائشة ﵂ تخبر أن رسول الله ﷺ كان يصلي ركعتين ركعتين حتى قدم المدينة فصلى إلى كل صلاة مثلها، وأنه كان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى. فأخبرت أنه كان يصلي في سفره كما كان يصلي قبل أن يؤمر بتمام الصلاة، وذلك ركعتان فذلك خلاف حديث فهد الذي ذكرناه في الفصل الأول "أن رسول الله ﷺ أتم الصلاة في السفر وقصر".
وأما حديث يعلى بن منية فإن أهل المقالة الأولى احتجوا بالآية المذكورة فيه، وهي قول الله ﷿: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: ١٠١] الآية. قالوا: فذلك دليل على الرخصة من الله ﷿ لهم في التقصير لا على الحتم عليهم بذلك، وهو كقوله ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] فذلك دليل على التوسعة منه لهم في المراجعة، لا على إيجاب ذلك عليهم.
فكان من حجتنا عليهم لأهل المقالة الأخرى أن هذا اللفظ قد يكون على ما ذكروا، ويكون على غير ذلك قال الله تعالى ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] وذلك على الحتم عند جميع العلماء، لأنه ليس لأحد حج أو اعتمر أن لا يطوف بهما.
فلما كان نفي الجناح قد يكون على التخيير وقد يكون على الإيجاب لم يكن لأحد أن يحمل ذلك على أحد المعنيين دون المعنى الآخر إلا بدليل يدله على ذلك، من كتاب أو سنة، أو إجماع.