فلما اختلفت الروايات عن رسول الله ﷺ في هذا الباب، وكان فيما روينا في الفصل الأول إباحة الصلاة على الجنائز في المساجد، وفيما روينا في الفصل الثاني كراهة ذلك احتجنا إلى كشف ذلك لنعلم المتأخر منه فنجعله ناسخا لما تقدم من ذلك.
فلما كان حديث عائشة فيه دليل على أنهم قد كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه حتى ارتفع ذلك من فعلهم، وذهبت معرفة ذلك من عامتهم. فلم يكن ذلك عندها لكراهة حديث، ولكن كان ذلك عندها لأن لهم أن يصلوا في المسجد على جنائزهم، ولهم أن يصلوا عليها في غيره. ولا تكون صلاتهم في غيره دليلا على كراهة الصلاة فيه. كما لم تكن صلاتهم فيه دليلا على كراهة الصلاة في غيره. فقالت بعد رسول الله ﷺ يوم مات سعد ما قالت لذلك.
وأنكر ذلك عليها الناس، وهم أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم. وكان أبو هريرة ﵁ قد علم من رسول الله ﷺ نسخ الصلاة عليهم في المسجد بقول رسول الله ﷺ الذي سمعه منه في ذلك، وأن ذلك الترك الذي كان من رسول الله ﷺ للصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كان يفعلها فيه ترك نسخ، فذلك أولى من حديث عائشة ﵂ لأن حديث عائشة ﵂ إخبار عن فعل رسول الله ﷺ في حال
= نعيم في الحلية ٧/ ٩٣، والبيهقي ٤/ ٥٢، والبغوي (١٤٩٣)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (٦٩٦) من طرق عن ابن أبي ذئب به.