ففي حديث عقبة أن رسول الله ﷺ صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثمان سنين، فلا تخلو صلاته عليهم في ذلك الوقت من أحد ثلاثة معان: إما أن تكون سنتهم كانت أن لا يصلى عليهم، ثم نسخ ذلك الحكم بعد بأن يصلى عليهم. أو تكون تلك الصلاة التي صلاها عليهم تطوعا، وليس للصلاة عليهم أصل في السنة والإيجاب. أو يكون من سنتهم أن لا يصلى عليهم بحضرة الدفن، ويصلى عليهم بعد طول هذه المدة. لا يخلو فعله ﷺ من هذه المعاني الثلاث. فاعتبرنا ذلك، فوجدنا أمر الصلاة على سائر الموتى، هو أن يصلى عليهم قبل دفنهم.
ثم تكلم الناس في التطوع عليهم قبل أن يدفنوا، أو بعدما يدفنون، فجوز ذلك قوم وكرهه آخرون. فأمر السنة فيه أوكد من التطوع لاجتماعهم على السنة واختلافهم في التطوع. فإن كان قتلى أحد ممن يتطوع بالصلاة عليهم كان في ثبوت ذلك ثبوت السنة في الصلاة عليهم قبل أوان وقت التطوع بها عليهم وكل تطوع فله أصل في الفرض.
فإن ثبت أن تلك الصلاة كانت من النبي ﷺ تطوعا تطوع به، فلا يكون ذلك إلا والصلاة عليهم سنة كالصلاة على غيرهم. وإن كانت صلاته عليهم لعلة نسخ فعله الأول وتركه الصلاة عليهم، فإن صلاته هذه عليهم توجب أن من سنتهم الصلاة عليهم، وأن تركه الصلاة عليهم عند دفنهم منسوخ.
=وأبو داود (٣٢٢٣) والنسائي ٤/ ٦١ - ٦٢، وابن حبان (٣١٩٨)، والطبراني في الكبير ١٧/ ٧٦٧، والبيهقي ٤/ ١٤، والبغوي (٣٨٢٣) من طرق عن الليث بن سعد به.