وقد علمنا أن جواب رسول الله ﷺ هو الجواب التام الذي لا نقص فيه، ولا فضل؛ لأن الله تعالى قد آتاه جوامع الكلم وخواتمه، فلو كان عندما سألوه عن الحج أرادوا بذلك ما لا بد منه في الحج، لكان يذكر عرفة، والطواف، ومزدلفة، وما يفعل من الحج سوى ذلك.
فلما ترك ذكر ذلك في جوابه إياهم، علمنا أن ما أرادوا بسؤالهم إياه عن الحج هو ما إذا فات فات الحج، فأجابهم بأن قال:"الحج يوم عرفة" فلو كانت مزدلفة كعرفة لذكر لهم مزدلفة مع ذكره، عرفة، ولكنه ذكر عرفة خاصة؛ لأنها صلب الحج الذي إذا فات فات الحج.
ثم قال كلاما مستأنفا، ليعلم الناس: من أدرك جمعا قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، ليس على معنى أنه أدرك جميع الحج؛ لأنَّه قد ثبت في أول كلامه "الحج عرفة" فأوجب بذلك أن فوت عرفة فوت الحج.
ثم قال:"ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح، فقد أدرك الحج" ليس على معنى أنه لم يبق عليه من الحج شيء؛ لأن بعد ذلك طواف الزيارة، وهو واجب لا بد منه، ولكن فقد أدرك الحج، بما تقدم له من الوقوف بعرفة.
فهذا أحسن ما خرج من معاني هذه الآثار، وصحت عليه ولم تتضاد.
وأما وجه ذلك من طريق النظر، فإنا قد رأينا الأصل المجتمع عليه أن للضعفة أن يتعجلوا من جمع بليل.