للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم اختلف الناس بعد هذا في المحرم بعمرة، يحصر بعدو أو بمرض.

فقال قوم (١): يبعث بهدي ويواعدهم أن ينحروه عنه، فإذا نحر حلّ.

وقال آخرون (٢): بل يقيم على إحرامه أبدا، وليس لها وقت كوقت الحج. وكان من حجة الذين ذهبوا إلى أنه يحل منها بالهدي ما روينا عن رسول الله في أول هذا الباب لما أحصر بعمرة زمن الحديبية حصرته كفار قريش، فنحر الهدي وحل ولم ينتظر أن يذهب عنه الإحصار إذ كان لا وقت لها كوقت الحج، بل جعل العذر في الإحصار بها، كالعذر في الإحصار بالحج.

فثبت بذلك أن حكمهما في الإحصار فيهما سواء، وأنَّه يبعث بالهدي حتى يحل به مما أحصر به منهما، إلا أن عليه في العمرة قضاء عمرة مكان عمرته، وعليه في الحجة حجة مكان حجته وعمرة لإحلاله.

وقد روينا في العمرة أنه قد يكون المحرم محصرا بها ما قد تقدم في هذا الباب عن عبد الله بن مسعود . فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

وأما النظر في ذلك، فإنا قد رأينا أشياء قد فرضت على العباد مما جعل لها وقت خاص، وأشياء قد فرضت عليهم مما جعل الدهر كله وقتا لها، منها: الصلوات فرضت عليهم في أوقات خاصة، تؤدى في تلك الأوقات بأسباب متقدمة لها، من التطهر بالماء،


(١) قلت أراد بهم: جمهور العلماء منهم: أبو حنيفة، ومالك في رواية، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر ، كما في النخب ١٣/ ٤٦٢.
(٢) قلت أراد بهم: محمد بن سيرين، ومالك في رواية، وبعض الظاهرية ، كما في المصدر السابق.