والعباد في طلاقهم إنما يفعلونه لأنفسهم لا لغيرهم، ولا يحلون في فعلهم ذلك محل غيرهم، فيراد منهم في ذلك إصابة ما أمرهم به الذين يحلون في فعلهم ذلك محله.
فلما كان ذلك كذلك لزمهم ما فعلوا، وإن كان ذلك مما قد نهوا عنه، لأنا قد رأينا أشياء مما قد نهى الله تعالى العباد عن فعلها أوجب عليهم إذا فعلوها أحكاما، من ذلك: أنه نهاهم عن الظهار، ووصفه بأنه منكر من القول وزور، ولم يمنع ما كان كذلك أن تحرم به المرأة على زوجها، حتى يفعل ما أمره الله تعالى به من الكفارة.
فلما رأينا الظهار قولا منكرا وزورا، وقد لزمت به حرمة، كان كذلك الطلاق المنهي عنه، هو منكر من القول وزور والحرمة به واجبة.
وقد رأينا رسول الله ﷺ لما سأله عمر بن الخطاب ﵁ عن طلاق عبد الله امرأته وهي حائض أمره بمراجعتها، وتواترت عنه بذلك الآثار، وقد ذكرتها في الباب الأول ولا يجوز أن يؤمر بالمراجعة من لم يقع طلاقه.
فلما كان النبي ﷺ قد ألزمه الطلاق في الحيض، وهو وقت لا يحل إيقاع الطلاق فيه، كان كذلك من طلق امرأته ثلاثا، فأوقع كل الطلاق في وقت بعضه دون ما بقي منه لزمه من ذلك ما ألزم نفسه، وإن كان قد فعله على خلاف ما أمر به. فهذا هو النظر في هذا الباب.
وفي حديث ابن عباس ﵄ ما لو اكتفينا به لكان حجة قاطعة، وذلك أنه قال: فلما كان زمان عمر ﵁ قال: أيها الناس، قد كان لكم في الطلاق أناة وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه.