فإذا قال الذي له سفك الدم، قد رضيت بأخذ الدية، وترك سفك الدم وجب على القاتل استحياء نفسه، فإذا وجب ذلك عليه أخذ من ماله وإن كره.
فالحجة عليه في ذلك أن على الناس استحياء أنفسهم كما ذكرت بالدية، وبما جاوز الدية وبجميع ما يملكون.
وقد رأيناهم أجمعوا أن الولي لو قال للقاتل قد رضيت أن آخذ دارك هذه على أن لا أقتلك أن الواجب على القاتل فيما بينه وبين الله تسليم ذلك له، وحقن دم نفسه، فإن أبى لم يجبر عليه باتفاقهم ولم يؤخذ منه ذلك كرها فيدفع إلى الولي.
فكذلك الدية إذا طلبها الولي فإنه يجب على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يستحي نفسه بها، وإن أبى ذلك لم يجبر عليه، ولم يؤخذ منه كرهًا.
ثم رجعنا إلى أهل المقالة الأولى في قولهم إن للولي أن يأخذ الدية وإن كره ذلك الجاني.
فنقول لهم: ليس يخلو ذلك من أحد وجوه ثلاثة إما أن يكون ذلك لأن الذي له على القاتل هو القصاص والدية جميعًا، فإذا عفا عن القصاص فأبطله بعفوه كان له أخذ الدية.
وإما أن يكون الذي وجب له هو القصاص خاصةً ولكن له أن يأخذ الدية بدلاً من ذلك القصاص.