القصاص ولم يخيرها بين القصاص وأخذ الدية، وحاج أنس بن النضر حين أبى ذلك، فقال:"يا أنس كتاب الله القصاص" فعفا القوم فلم يقض لهم بالدية.
ثبت بذلك أن الذي يجب بكتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﵇ في العمد هو القصاص، لأنه لو كان يجب للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين العفو مما يأخذ به الجاني إذاً لخيرها رسول الله ﷺ ولأعلمها بما لها أن تختاره من ذلك.
ألا ترى أن حاكمًا لو تقدم إليه رجل في شيء يجب له فيه أحد شيئين: فثبت عنده حقه أنه لا يحكم له بأحد الشيئين دون الآخر، وإنما يحكم له بأن يختار ما أحب من كذا و كذا، فإن تعدى ذلك فقد قصر عن فهم الحكم، ورسول الله ﷺ أحكم الحكماء.
فلما حكم بالقصاص وأخبر أنه كتاب الله ﷿ القصاص ثبت بذلك أن الذي يجب في مثل ذلك هو القصاص لا غيره.
فلما ثبت هذا الحديث على ما ذكرنا وجب أن نعطف عليه حديث أبي شريح وأبي هريرة ﵄.
فنجعل قول رسول الله ﷺ فيهما فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتص أو يأخذ الدية على الرضاء من الجاني بغرم الدية، حتى يتفق معاني هذين الحديثين ومعنى حديث أنس ﵁.
فإن قال قائل: فإن النظر يدل على ما قال أهل المقالة الأولى، وذلك أن على الناس أن يستحيوا أنفسهم.