واحتجوا في ذلك أيضًا بما روي عن ابن عمر ﵄ أنه كان إذا بايع رجلًا شيئًا فأراد أن لا يقيله، قام يمشى ثم رجع.
قالوا: وهو قد سمع من النبي ﷺ قوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، فكان ذلك عنده على التفرق بالأبدان، وعلى أن البيع يتم بذلك. فدل ما ذكرنا على أن مراد النبي ﷺ كان كذلك أيضًا.
واحتجوا في ذلك أيضًا بحديث أبي برزة الذي قد ذكرناه عنه في أول هذا الباب، وبقوله للرجلين اللذين اختصما إليه: ما لي أراكما تفرقتها، فكان ذلك التفرق عنده هو التفرق بالأبدان، ولم يتم البيع عنده قبل ذلك التفرق.
وكان من الحجة عندنا على أهل هذه المقالة لأهل المقالتين الأوليين، أن ما ذكروا من قولهم لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقدا البيع، وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين، فذلك إغفال منهم لسعة اللغة، لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين لقربهما من التبايع، وإن لم يكونا تبايعا، وهذا موجود في اللغة، وقد سمي إسحاق أو إسماعيل ﵉ ذبيحا لقربهما من الذبح، وإن لم يكن ذبح.
فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين إذا قربا من البيع، وإن لم يكونا تبايعا.
وقد قال رسول الله ﷺ"لا يسوم الرجل على سوم أخيه" وقال: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه" ومعناهما واحد.