فأخبر ابن عباس ﵄ أن الإحباس منهي عنها غير جائزة، وأنها قد كانت قبل نزول الفرائض، بخلاف ما صارت عليه بعد نزول الفرائض، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
وأما وجهه من طريق النظر فإن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا وزفر ﵏ وجميع المخالفين لهم والموافقين قد اتفقوا على أن الرجل إذا وقف داره في مرضه على الفقراء والمساكين ثم توفي في مرضه ذلك أن ذلك جائز من ثلثه وأنها غير موروثة عنه.
فاعتبرنا ذلك هل يدل على أحد القولين؟ وكان الرجل إذا جعل شيئًا من ماله من دنانير أو دراهم صدقةً، فلم ينفذ ذلك حتى مات أنه ميراث وسواء جعل ذلك في مرضه أو في صحته إلا أن يجعل ذلك وصيةً بعد موته، فينفذ ذلك بعد موته من ثلث ماله كما تنفذ الوصايا.
فأما إذا جعله في مرضه، ولم ينفذه للمساكين بدفعه إياه لهم، فهو كما جعله في صحته، وكان جميع ما يفعله في صحته فينفذ من جميع ماله ولا يكون له عليه بعد ذلك ملك مثل العتاق والهبات والصدقات، هو الذي ينفذ إذا فعله في مرضه من ثلث ماله، وكان الواقف إذا وقف في مرضه داره أو أرضه، وجعل آخرها في سبيل الله كان ذلك جائزا باتفاقهم من ثلث ماله بعد وفاته لا سبيل لوارثه عليه.
وليس ذلك بداخل في قول النبي ﷺ:"لا حبس عن فرائض الله".
وكان النظر على ذلك أن يكون كذلك سبيله إذا وقف في الصحة، فيكون نافذًا من جميع المال، ولا يكون له عليه سبيل بعد ذلك قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا.