وإلى هذا أذهب وبه أقول من طريق النظر، لا من طريق الآثار، لأن الآثار في ذلك قد تقدم وصفي لها، وبيان معانيها، وكشف وجوهها.
فإن قال قائل: أفتخرج الأرض بالوقوف من ملك ربها بوقفه إياها لا إلى ملك مالك؟ قيل له: وما تنكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها صاحبها مسجدًا للمسلمين، ويخلي بينهم وبينها أنها قد خرجت بذلك من ملكه لا إلى ملك مالك، ولكن إلى الله ﷿.
فالذي يلزم محالفك فيما احتججت عليه بما وصفنا يلزمك في هذا مثله.
فإن قال قائل: فما معنى نهي رسول الله ﷺ عن الحبس الذي رويته عنه في حديث ابن عباس ﵄؟
قيل له: قد قال الناس في ذلك قولين: أحدهما: القول الأول الذي ذكرناه عند روايتنا إياه.
والآخر أن ذلك أريد به ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فكانوا يحبسون ما يجعلونه كذلك فلا يورثونه أحدًا، فلما أنزلت سورة النساء وبين الله ﷿ فيها المواريث، وقسم الأموال عليها، قال رسول الله ﷺ:"لا حبس".
ثم تكلم الذين أجازوا الصدقات الموقوفات فيها بعد تثبيتهم إياها على ما ذكرنا فقال بعضهم: هي جائزة، قبضت من المتصدق بها أو لم تقبض. وممن قال بذلك أبو