وقال بعضهم: لا تنفذ حتى يخرجها من يده ويقبضها منه غيره، وممن قال بهذا القول ابن أبي ليلى، ومالك بن أنس، ومحمد بن الحسن ﵏.
فاحتجنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من القولين قولا صحيحا فرأينا أشياء يفعلها العباد على ضروب فمنها: العتاق ينفذ بالقول، لأن العبد إنما يزول ملك مولاه عنه إلى الله ﷿.
ومنها: الهبات والصدقات لا تنفذ بالقول حتى يكون معه القبض من الذي ملكها له.
فأردنا أن ننظر حكم الأوقاف بأيها هي أشبه فنعطفه عليه.
فرأينا الرجل إذا وقف أرضه أو داره، فإنها ملك الذي أوقفها عليه منافعها، ولم يملكه من رقبتها شيئًا إنما أخرجها من ملك نفسه إلى الله ﷿، فثبت أن ذلك نظير ما أخرجه من ملكه إلى الله ﷿، فلما كان ذلك لا يحتاج فيه إلى القبض مع القول كان كذلك الوقف لا يحتاج فيه إلى القبض مع القول.
وحجة أخرى أن القبض لو أو جبناه فإنما كان القابض يقبض ما لم يملك بالوقف، فقبضه إياه وغير قبضه إياه سواء.