وهذا الذي ذكرناه من وجوب الحكم عليهم قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.
فإن قال قائل: فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا، فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم.
قيل له: إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى ﵇ هو الرجم على المحصن وغير المحصن.
وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله ﷺ عن حد الزنا في كتابهم، فلم ينكر ذلك عليه رسول الله ﷺ فكان على النبي ﷺ اتباع ذلك والعمل به، لأن على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان قبله حتى يحدث الله له شريعةً تنسخ شريعته، قال الله تعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠] فرجم رسول الله ﷺ اليهوديين (١) على ذلك الحكم، ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن.
ثم أحدث الله ﷿ لنبيه ﷺ الشريعة نسخت هذه الشريعة، فقال: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] فكان هذا ناسخًا لما كان قبله، ولم يفرق في ذلك أيضا بين المحصن وغير المحصن.