فأما ما في حديث سعد من إباحة سلب الذي يصيد صيد المدينة، فإن ذلك- عندنا والله أعلم- كان في وقت ما كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال.
فمن ذلك ما قد روي عن النبي ﷺ في الزكاة أنه قال: من أداها طائعًا فله أجرها، ومن لا أخذناها منه وشطر ماله.
وما روي عنه، فيمن سرق ثمرًا من أكمامه أن عليه غرامة مثليه وفي نظائر لذلك كثيرة، قد ذكرناها في موضعها من كتابنا هذا.
ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا، فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها، إن كانت لها أمثال، وإلى قيمتها إن كان لا مثل لها، وجعلت العقوبات في انتهاك الحرم في الأبدان، لا في الأموال.
فهذا وجه ما روي في صيد المدينة.
وأما حكم ذلك من طريق النظر، فإذا رأينا مكة حرامًا، وصيدها وشجرها كذلك، هذا ما لا اختلاف بين المسلمين فيه.
ثم رأينا من أراد دخول مكة لم يكن له أن يدخلها إلا حرامًا، فكان دخول الحرم لا يحل الحلال وكانت حرمة صيده وشجره، كحرمته في نفسه.
ثم رأينا المدينة، كل قد أجمع أنه لا بأس بدخولها للرجل حلالًا، فلما لم تكن محرمةً في نفسها، كان حكم صيدها وشجرها كحكمها في نفسها.